- "اتـــــجـوزيــنـي"سعلت بشدة والكلمة تتردد بعقلها بإلحاح، توسعت أعينها بصدمة وظلت تفتح أعينها وتغلقها بعدم تصديق..
ابتلعت ريقها بصعوبة لتسحب كوب الماء ترتشف منه بتوتر، وابتسمت بشحوب وقالت بنبرة خرجت متقطعة متحشرجة:-
- أستاذ يعقوب ... هزارك مختلف أوي يعني..
أقصد يعني...قاطعها يعقوب بجدية وهو يستند على الطاولة:-
- أنا مش بهزر أبدًا يا رِفقة، زي ما أنا قولتلك أنا بحب أكون واضح ومش بعمل أي حاجة أنا مش مقتنع بيها..
خدي وقتك في التفكير، وعلشان تعرفي يعني أكيد طلبي فاجئك بس مكانتش أول مرة أشوف يوم الموقف إللي حصل..
هعرفك على نفسي .. أنا يعقوب بدران عندي ٣٠ سنة .. عندي سلسة مطاعم دا واحد منهم ودا كان حلم حياتي وخريج هندسة إلكترونية بس مش شغال بالمؤهل بتاعي..كانت رِفقة تشعر بأن العالم يدور حولها، ما هذا الذي تسمعه ليُكمل يعقوب يقول:-
- أكيد بتسألي دلوقتي عايز تتجوزني ليه..
هقولك علشان أنا جوايا عايز كدا، وإحنا مناسبين جدًا لبعض .. وفي سبب تاني أكيد هتعرفيه بس بعد ما نتجوز..توسعت أعين رِفقة من هذه الجُرأة وشعرت بالخجل لكنها تجرأت تقول باعتراض:-
- يعني إنت ما شاء الله عندك كل حاجة ومحوطاك كل النِعم، وحسيت نفسك من جوا عايز تتجوز وأنا طلعت قدامك يبقى خلاص هي دي..!تنهد يعقوب ثم أردف ببعض السخط:-
- مين قالك إن عندي كل حاجة .. عادي أنا عندي إللي عند الكل بل أقل من ناس كتير واتاخد مني كتير.. حياة عادية..ابتسمت رِفقة وأردفت بيقين ورضا:-
- العادية إللي بتقول عليها دي نعمة كبيرة، حياتك كلها مليانة نِعم، قعدتك دي وإنك قادر تتكلم وتاكل .. الصحة والعافية والنفس إللي بتتنفسه دا نعمة كبيرة، أهلك وأصحابك، بص على الناس إللي حوليك وإنت تعرف ... لازم تملى قلبك بالرضا وتحمد ربنا على كل نِعمُه عليك.قال بتلقائية دون أن يقصد:-
- إنتِ بتقولي كدا بس علشان إنتِ عامية، يعني علشان ناقصك حاجة...تخشبت رِفقة للحظات ومعها يعقوب الذي لم يُصدق ما تلفظ به ليُسرع يقول مُتداركًا:-
- أنا مقصدش كدا .. أنا آسف .. أنا أقصد يعني إنك حاسه بقيمة النِعم..انقشعت غيمة الحزن التي حلّت على وجه رِفقة سريعًا وطفقت تهتف بإبتسامة رضا:-
- أنا عارفة إن عامية ومش بشوف إنت مقولتش حاجة جديدة ... سمعتها كتير من غيرك، إنت لا أول ولا أخر واحد تقولها..
بس الحمد لله أنا راضية جدًا يا أستاذ يعقوب لأن أخذ الله عطاء بشكل أخر، أنا اتحرمت البصر بس لم أُحرم من نور البصيرة، ودي في حد ذاتها نعمة لا تُقدر بتمن..
أنا أبدًا مش ناقصة حاجة .. أيه البصر مقابل نِعم كتير ربنا عطهالي، أنا مديونة بكتير أووي لرب العالمين ...لو فضلت عمري كله أعبده مقابل نعمة واحد مستحيل أوافي منها شيء..
واقفة بصحتي وعافيتي ومستورة، كل يوم بتنفس وبحسّ بالجمال إللي حوليا، مش علشان حاجة واحدة بس اتحرمت منها تسود جمال الدنيا في عيني، بشوف الجمال بقلبي وبحس بيه ودا يكفيني..
أنا راضية أووي يا أستاذ يعقوب ومش بعتبر أي حاجة ربنا عطهالي عادية، كل نعمة مُميزة، حتى العَمَى تمييز...
ربنا ليه حكمة في كل شيء ومش بيحرمنا من حاجة ألا رحمة بينا لأن أنا عندي يقين إن ربنا رحمن ورحيم بيا أكتر من نفسي وواثقة إن دا أختبار ولازم أنجح فيه علشان المكافأة إللي منتظراني..
