الفصل الرابع..(أحلام واهية) .
-------
الجبال أنواع، منها ثابت المظهر رغم اشتعال البراكين داخله والذي قد ينفجر في أيّة لحظة ومنها الثابت قلبًا وقالبًا بل أن قلبه ألين مكان على وجه الأرض.
.......................
شهقت غُفران بقوة وهي تُصلب أنظارها تجاه صديقتها التي تقف على عتبة الباب بغير اتزان فقد أصابتها طلقة شقيقها الطائشة، هوت "تقوى" أرضًا بينما هرولت غفران إليها ثم احتضنتها بين ذراعيها ببكاء فيما أسرع "هشام" بضرب الآخر على رأسه مُستغلًا انشغاله بالنظر صوب طلقته حتى سقط فاقدًا للوعي، هتفت غفران بنحيب عالٍ:
-إنت واقف عندك بتعمل ايه؟!، الحقها بسرعة، تقوى بتنزف.
هرع هشام إليها ثم أسرع بحملها بين ذراعيه هاتفًا:
-اتصلي بالبوليس بسرعة قبل ما يفوق وقولي لهم إنه حاول يتهجم عليكِ أنتِ ووالدتك.
غفران بتلعثم: م م ماشي بس خدها بسرعة للمستشفى.
رمق "هشام" النائمة بين ذراعيه في قلق ومن ثم مضى إلى خارج الشقة وسط بُكاء غفران ووالدتها، أمسكت الهاتف بين كفيها المرتعشين وما هي إلا ثوانٍ حتى هاتفت الشرطة لنجدتها.
وضعها داخل سيارته، كان يتحسس نبضها بين الفينة والأُخرى، تندى جبينه بقطرات العرق ليمسحها بنفاد صبرٍ وهنا تحدث إلى نفسه مُتحيّرًا:
-لو أخدتها المُستشفى هفتح سين وجيم على نفسي، أوديكِ فين دلوقتي؟، أنا كان مالي ومال التدبيسة دي، مش فاهم أنا أيه اللي نزلها من العربية؟
قرر اصطحابها إلى فيلته حتى يتجنب التساؤلات وهذه الإجراءات الروتينية المُملة، ثم إنه بِمَ سيُجيب عليهم!
وصل إلى فيلته وقام بحملها بين ذراعيه متجهًا للداخل وما أن رأته والدته حتى حدقت إليه في دهشة وصاحت غير مُصدقة:
-إنتَ جايب البتاعة دي هنا ليه؟ وبعدين أيه الدم دا!
زفر زفرة مُطولة وهو يتجه بها صوب الدرج ليردف بصراخ:
-هيكون دم من أيه يعني؟ البنت واخدة طلقة في كتفها يا ماما ومش وقت أسئلة، كلمي الدكتور بسرعة.
نادين بنبرة حادة:
-وافرض ماتت!، إنت جايب لنا المصايب لحد عندنا؟
لم يُعيرها اهتمامًا لحديثها بل أكمل سيره حتى غرفته لتبدأ هي في التواصل مع طبيب العائلة حتى لا تورطهم أن ماتت في عُقر دارهم.
-------
(خارج قسم الشرطة )
القت الشرطة القبض على تيسير وأخبرتهم بأنها لا تعرفه في الأصل ثم قررت الذهاب للاطمئنان على صديقتها.
-هعصر على نفسي ليمونة وأروح بيت البني آدم دا وخلاص يا أمي، ما أنا لازم أشوفها واطمن عليها.
أردفت غُفران وهي تُحادث والدتها هاتفيًا، فيما أجابتها الأخرى بهدوء:
-يا بنتي الشاب ابن حلال ووقف جنبنا، كارهاه ليه!
غفران بضحكة ساخرة:
-ابن حلال!، دا انا اقعد في أوضة ضلمة ساعة كاملة لو طلع زيّ ما بتقولي، دا كفاية إنه بتاع كيف.
الأم بضحكة خفيفة:
-إنتِ قايلة أن والدته موجودة وعلشان كدا أنا وافقت انه ياخدها وإنك تروحي بس بردو خلي بالك من نفسك ولو هي بقيت كويسة أرجعي وهي معاكِ.
غفران بتفهم:
-هو دا اللي هيحصل، إن شاء الله.
الأم بتساؤل:
-هتعملي أيه في شغلك؟!
غفران بلا مُبالاة:
-مش مُهم الـ ش ..
انكمشت قسمات وجهها بضيق لتبتلع ريقها بتوتر وهي تردف:
-هو بييجي على السيرة ولا أيه؟!، طيب سلام يا أمي دلوقتي علشان دكتور ريان على الويتنج.
-ألو، آسفة بس مش هينفع أجي النهاردة .
قالتها غفران بنبرة بالكاد تصل إليه من فرط قلقها فيما أردف هو بنبرة صارمة مُحتدمة:
-إنتِ فاكرة نفسك في عيادة أبوكِ!، تخرجي وتيجي وقت ما تحبي، بقولك أيه عشر دقايق وتكوني قُدامي.
غفران بصرخة رقيقة:
-إنتَ اشتريتني ولا أيه، وبعدين هل أنا سمحت لك تكلمني بالأسلوب دا ومين مفهمك إن صاحب الشغل بيستعبد الناس و و ..
وقبل أن تنتهي من صراخها وجدت الهاتف قد أُغلق في الحال، شعرت بحالة حرج شديدة لتصر على أسنانها غيظًا وبنبرة حانقة تابعت:
-بني آدم براس ضُفدع.
-------
-اعلموا لها كمادات بشكل مستمر، الحمد لله الإصابة كانت سطحية يعني مفيش أي خطورة عليها.
أردف الطبيب بتلك الكلمات ثم غادر، تقدمت والدته منه وتابعت بغضب جامح:
-إنتَ مش هتخرج البنت دي من حياتنا بقى!، مليون مرة أقولك إن ملهاش مكان بينّا ومش هيكون، هشام إنت مش بتحبها فقولي عاوز أيه منها بالظبط؟!
هشام وهو يضع أنامله أسفل ذقن والدته: عاوزها تديني الأمان، أكون بطل في حياتها، أصل النوعيات دي من البنات ضحايا أهل وكُل اللي فقدته في أهلها لقيته معايا، كُل السم اللي أهلها بيدوقوه لها ببدله بلسم، كُل اللي بتحلم بيه بحققه لها، أنا حلم عاشت عُمرها كُله تدعي بيه وبصراحة البنت عجباني وعايزها.
نادين باستفهام:
-جواز؟!
هشام بضحكة ساخرة من جانب فمه:
-تؤ، أنا بتاع الكلام دا بردو، أنا يادوب بعوض نقصها من الدنيا بجُرعة حنية لو خسرتها هتحس إنها مش بتتنفس أساسًا.
نادين بشرود قليلًا:
-والموضوع دا مطول ولا أيه؟، بس خلي بالك لتقع إنت، أصل النوعيات دي كلبة فلوس ومش سالكة.
هشام بثبات:
-تقوى ملهاش نوعيات واطمني دي سالكة أوي.
نادين بتذكُر:
-أه صحيح، ممكن أفهم مزعل شادي صاحبك ليه؟
تأفف هشام بحنق مُردفًا:
-دا عيل زيّ القطط ياكل وينكر، فكك منه ثم إنك ما بتحبيش النوعيات الفقيرة دي، اشمعنى شادي اللي بتحبيه!
نادين ببرود:
-يمكن علشان صاحبك!
هشام بضحكة عالية:
-قصدك علشان بيقولك "خسيتي يا نانو".
----------
-عدا ربع ساعة وأنا قايل عشر دقايق يا أنسة؟!
كلمها بنبرة باردة استفزتها وهو يجلس خلف مكتبه فيما أجابته هي بحنق بعد أن اقتربت من مكتبه أكثر:
-إنت فاكر نفسك مين، محدش علمك في بيتكم الآدمية في الحوار ولا إنت بقيت أصلًا دكتور إزاي!
تقلصت قسمات وجهه بشكلٍ لا إرادي، ضرب بقبضته على سطح المكتب ومن ثم نهض من مكانه وراح يهتف بصوت جهوريٍ:
-أنا رب عملك؟!
غفران بنبرة مُشمئزة:
- وأنا مُستقيلة يعني إنت مبقيتش رب عملي، إنت واحد قليل الذوق.
اندفع إليها بعد أن استدار عن مكتبه ثم قبض على معصمها بقوة، نظرت إلى قبضته بعينين جاحظتين وراحت تصرخ بحنقٍ:
-إنت مجنون! إزاي تمسك إيدي كدا.
ريّان بنظرة حادة:
-شغل الشارع والسوق دا ياريت يكون برا المركز بتاعي وياريت تبقي تقري بنود استمارة الشغل هنا وإنك ماضية على بند بيقول ممنوع ترك العمل إلا بعد اعلامي قبلها بشهر للبحث عن أخرى.
غفران بعصبية وهي تنتزع معصمها من بين قبضته:
-وياترى بنود الاستمارة بتقول انك تتعدى حدودك وتمسك ايد موظفيك يا رب عملي؟!ريّان مُثبتًا مُقلتيه داخل بؤبؤي عينيها:
-لما تكون الشخصية اللي قدامي لسانها طويل زيادة لازم نقصه.
رمقتهُ شزرًا ثم ترجلت خارج الغرفة وصفقت الباب خلفها بقوة، ابتسم بهدوء على طريقة انفعالاتها، وفجأة وجد الباب يُفتح مرة أخرى لتقف أمامه صلبة الكيان وراحت تقول:
-ياريت من هنا لأخر الشهر تكون شوفت خدامة ولا حمالة أسية تستحمل الصرف الصحي اللي بيخرج منك وعلشان مش هتلاقي ياريت تروح عند ترزي يفصل لك واحدة على مزاجك وما تنساش تقول له عاوزها واحدة غنية وعندها عربية علشان تيجي على الميعاد.
ريّان ضاغطًا على عينيه بقوة ليهدر بحدة:
-غفراااان، اقفلي الباب.
أغلقت الباب على الفور ومن ثم اتجهت إلى مكتبها لتبدأ عملها الشاق الذي يستمر حتى العاشرة ليلًا وبقى عقلها شاردًا مع صديقتها.
------------ما رايدين نفتح في القديم عاد يا شيخ، اتفاقنا هيتم عاجل وتجوى عايده مع خيها.
أردف الشيخ "داغر" بهذه الكلمات في ثبات وهو يقف في بهو منزله الكبير وأمامه مجموعة رجال من قبيلة "الحورنات" في حالة غضب شديد من عدم إتمام سامر الخُطبة كما أرادوا وهنا أردف "چاد" بنبرة ثابتة متوجهًا بالحديث إلى والده:
-خلاص يبوي، الشيخ داغر ما بيوعد إلا بيوفي، خلينا نروح على ديارنا.
والد چاد:
-انطب، إحنا مش چايين ناخد رأيهم ولا نواسيهم، هاد اتفاق مچبرين عليه ولا نسيتوا التار اللي لسه دمه حامي؟!
عابد بنبرة حادة:
-إنت چاي تهددنا بديارنا يا بو چاد؟!
في هذه اللحظة قطعت "نادرة" حديثهم الدائر حيث اندفعت إليهم لتصرخ بهم جميعًا في حدة:
-بنيتي مانها كبش الفدا للماضي، خسرت بنيي الأول وما راح أخسر هالتانية، تجوى ما تبغى چاد.
وهنا أردف چاد مُتلعثمًا بنبرة مهمومة ويكأنه يُخبرهم بالحقيقة بينما هو يقول العكس:
-وانا ما أبغاها.
والد چاد يرمقهُ بحنقٍ:
-شو يا وِلد!، بتكسر كلامي؟!
چاد مُنكسًا ذقنه بضيق:
-لا يبوي هاذي الحقيقة، أنا ما نسيت الماضي بس تجوى ما ذنبها، ليش ما نعقد صُلح وننهي هالتار بدون ما نظلم روح معنا.
والد چاد بنبرة ساخطة:
-حق الميت راچع وراح تصير دم.
-------
-إنتِ كويسة؟!
سألها هشام بترقب وهو يُعدل من نومتها لتجلس متوسدةً ذراعه ومضى يُطعمها بالذراع الآخر، رمقتهُ "تقوى" براحة وحُب ثم أردفت بنبرة خافتة:
-أنا كويسة علشان إنت جنبي.
هشام بثبات وهو يُقرب ملعقة الحساء الدافئ من فمها:
-طيب يلا اشربي الشوربة الدافية دي وبالهنا.
تناولتها منه بانصياع وراحة بالغة، ومن ثم أردفت بتذكر:
-فوني فاصل شحن، ممكن تحطه على الشاحن يا هشام زمان غفران قلقانة عليا.
قام بتوصيل الهاتف بالكهرباء وما أن فُتح حتى تابع بهدوء:
-غفران حاولت تتصل بيك كتير، خلصي أكل ورني عليها.
انصاعت لأوامره برحابة صدر فيما بدأ يُقلب هو بهاتفها وما هي إلا لحظات حتى سمعت صوت صفيرهُ يدوي في الغرفة، نحت ببصرها إليه تنظُر بتساؤل فيما غمز لها بإحدى عينيه قائلًا:
-بدلة الرقص هتاكل من جسمك حتة، جمال خارق للعادة.
حدقت إليه في اندهاش وقد شُحب لون وجهها وهي تُحاول التقاط هاتفها منه مُرددةً بخجل ونبرة متلعثمة:
-لو سمحت يا هشام، هات الفون مينفعش تشوف الصور دي!
#ضي_البادية
#علياء_شعبان
أنت تقرأ
رواية "ضي البادية".. حرب مسلوبة الراء.
Romance"المقدمة" فُتنت بها وأنا الذي عنهن مُعرضا. أتى بيّ القدرُ إليها، من كُل حدبٍ وصوبٍ.. أنا مَن فُزت بها. وَلّيت إليها حثيثًا بعدما تخطيّت زحام العابرين والعراقيل مُضيًا ليجمعنا القدرُ. وفي وليجة نفسي بقيتُ حائرًا، لما القدرُ ألقاني بين أحضانها؟، هل سأ...