الفصل الثاني والعشرون.. (أضغاث ذكريات).
-----------
من أهداف الحرب تحقيق السلام ومن أهداف الحُب تحقيق الأمان. فماذا يحدث إن كُنت فارسًا في معركة الحُب وملزمًا أن تستخلص من الحرب فوزًا يسلم به حُبك؟!
مرّت الأيام تباعًا، وعيشة هنية توجت حبهما، لم يكن يسعى أيهم إلا لإرضائها عوضًا عما فقدته من والديها والأقربين الذين لم يدخروا فرصة كي يعمقون جروحها، أصبحت بفضل احترامه لها أخرى لا تمر عليها لحظة دون أن تبتسم وتمرح حتى جاء ذلك اليوم الذي عاد بها إلى شهور علاجها الأولى وأصبحت تُعاصر طور مرضها الأول من جديد.
وقفت أمام المرآة التي تقبع فوق حوض الاغتسال داخل المرحاض، ذرفت الدموع التي تكفي شعورها بالألم لمدة عام كامل، أحست بكل الرعب والذعر الذي ولّدته الحادثة فيها وكأنها حدثت ليلة أمس، عاد مرة أخرى بعد أن ظنت بأنه لن يعود ثانية، عاد لتشويه سمعتها وتحطيمها أمام زوجها بعد أن استعدت لتكوين أسرة يحفها الدفء والحُب ولكن على ما يبدو أن الماضي له رأيّ آخر!
شهقت عاليًا، أسرعت بوضع كفها على فمها تمنع صدور صوتها وأنينها فقد أرسل لها بعض الصور والفيديوهات الذين أحتفظ بهم للحظة كهذه! لا تعلم لِمَ عاد؟ ومن أين حصل على رقمها، أخبرها في رسالة أن تأتي إليه بعد ساعات قليلة وإلا فضحها أمام زوجها الحنون حتى أنه أفصح عن هذه الكلمة بسخرية شديدة، ثمة أمور يدبرها لها من جديد ولكنها لن تستطيع أن تعلم زوجها بما يجري وإلا قتله وسقطت هي من نظره ما أن تصبح هذه المقاطع بين يدي زوجها حتى إن كانت لا ذنب لها بأفعاله القذرة، هذه المصادر هي أكثر صعوبة على زوج مثله أو أيّا كان ليرى زوجته بين أحضان آخر، حتمًا سيقتله.
في هذه اللحظة باغتها بطرقات خفيفة على باب المرحاض، أسرعت بفتح صنبور المياه حتى تنجرف منه بصوت يشوش على بكائها الخافت فيما أردف هو بنبرة هادئة:
-تقوى، إنتِ كويسة!
ابتلعت غصة مريرة في حلقها، تنشقت الهواء داخلها ثم قالت بصوتٍ بدا وكأنه طبيعيًا بعد محاولة مضنية منها في ذلك:
-أه كويسة، روح إنت شغلك وأنا هاخد شاور وهروح لغفران؟
أيهم وهو ينصت إليها في صمت وما أن انتهت حتى قال بنبرة أكثر شكًا:
-تقوى، إنتِ في الحمام من ساعة تقريبًا وبعدين ما تستني لما أرجع وهوديكِ بنفسي؟
تنحنحت بخفة ثم تابعت بنبرة مبحوحة:
-هزهق لو قعدت لوحدي، خلي بالك من نفسك إنت بس.
ثم استأنفت بنبرة مخنوقة وهي تزدرد ريقها ألمًا:
-أيهم، أنا بحبك.
سرّته كلمتها وقد تهللت أسارير وجهه وسرعان ما تبددت مخاوفه عليها ثم قال بنبرة متلهّفة:
-طيب وأنا هعدي عليكِ علشان نرجع مع بعض.
قصد أيهم وجهته فور انتهاء حديثه وما أن سمعت صوت الباب وهو يُغلق حتى ترجلت خارج المرحاض، وقعت عيناها على الخاتم الرقيق الذي أهداه لها ليلة حفل قران صديقتها، أجهشت بالبكاء وهي تجلس إلى طرف الفراش تعبث بالخاتم بإبهامها وتعود بذاكرتها إلى لحظة وصول هذا الخاتم إلى أصابعها.
جذبها خلفه حتى وصل بها إلى إسطبل للخيول، زوت ما بين عينيها وهي تقول بنبرة خافتة:
-دا إسطبل خيل؟
اومأ برأسه إيجابًا دون أن ينبس ببنت شفةٍ، أشار لها بيده بأن تنتظره في مكانها وبعد بضع ثوانٍ وجدت حصان ذا شعر بُني كثيف يتجه ناحيتها، تعشق الجياد بشدة والحيوانات أجمعها بصفة عامة، كان يضع بين فكية حقيبة باللون الأسود من االقماش، سارت إليه بلهفة بعد أن فهمت جيدًا بأنها المفاجأة المنشودة من قبله، وضعت كفها تمسد على شعره بحُب وسعادة بينما اتاها صوته يردد بنبرة هامسة:
-خُدي منه الهدية ولا هتكسفيه!
ناولها الحقيبة القماشية، نظرت داخلها حتى وجدت وردة ولكنها ليست حقيقية بل مصنوعة من خام القطيفة، نظرت إليها في انبهار كان كفيلًا بأن تساورها مشاعر متضاربة من حب وإحساس بالحزن لأنها غير قادرة على أن توافيه حقه فعلًا، قام بفتح العلبة القابعة في بداية الوردة حتى ظهر لها خاتم من الذهب وفي أوله فص ألماسي يشع ويتلألأ من شدة جماله، رفعت بصرها إليه بفرحة ثم قالت بنبرة صادقة:
-بحبك.
أيهم وهو يلتقط كفها ثم يضع الخاتم بين إصبعها بهيام وفرحة:
-وأنا بعشقك.
بقدر ما كانت تخشى قربه ووجوده في حياتها، بقدر ما ندمت على لحظات لم يكن هو شريكها فيها، أحبته جمًّا وعشقت الخير والأمان فيه، ليته جاء في ظروف أفضل من هذه فبخت كُل مشاعرها وحُبها النقي له.
عادت من ذكريات هذه اللحظة وهي تبكي بهستيرية، فإلى متى ستدفع ذنب ماضٍ قد ولّى؟ فما عادت قادرة على تلقي الصفعات والصدمات التي أضعفت روحها وجعلتها هشة، لو بقى قليل من العقل لديها ولم تضعف إلى حد السذاجة ما كانت وصلت لهذه المرحلة الحرجة، تبًا لامرأة تولي قلبها مقاليد قراراتها وتجعله سلطان على مشاعرها، فضعف نفوسنا يتم محاربته بالعقل.
في هذه اللحظة، أسرعت إلى خزانة ملابسها ثم ارتدت ما قابلها على الفور وقررت أن تقصد "شادي" طالما هو الصديق الوفي لزوجها قطعًا سيساعدها وستوصيه بألا يخبر زوجها، اتجهت خارج غرفتها وقد عزمت النية على الذهاب حيث يقطن هشام، فهي تعلم أين يعيش جيدًا.
اتجهت خارج البوابة الرئيسية من الفيلا ثم سلكت الطريق حتى الشارع العمومي وبعد ذلك أوقفت سيارة أجرة وركبت فيها، كانت غفران في الطريق إليها وما أن رأتها حتى صاحت بها ولكنها لم تسمع، قطبت غفران ما بين حاجبيها باستغراب من ذهابها المفاجئ؟! ولكن أين عساها قد تذهب؟ استبد بها القلق ثم أشارت للسائق بأن يتتبع سيارة الأجرة التي تستقلها تقوى.
بالفعل تمكنت غفران من ملاحقتها، ابتلعت ريقها بصعوبة وقد أكلت الهواجس لحم رأسها وهي لا تعلم ما تنوي صديقتها على فعله، أيُعقل أنها نفذت ما طلبه ذلك القذر منها؟ وأنها تقصد شقته؟ بدت الحيّرة على وجهها ولكنها نقدت السائق حقه ثم ترجلت خارج السيارة ومضت تتبع خطواتها حتى غابت وهي تدخل هذه البناية القديمة، صعدت الدرج متوجسة فيما قامت الأخرى بطرق الباب في انتظار ظهوره وما هي إلا ثوانٍ حتى هتف مصدومًا:
-تقوى، بتعملي أيه هنا؟ وبتعيطي ليه؟!
قالها شادي وهو ينظر إليها متوجسًا، انسابت الدموع من عينيها وهي تقول بصوتٍ مبحوحٍ:
-هشام رجع يا شادي وبيهددني بصور وفيديوهات ليّا، إنت قولت إنك صديق مخلص لأيهم، ساعدني من غير ما يعرف لو سمحت!
أنت تقرأ
رواية "ضي البادية".. حرب مسلوبة الراء.
Любовные романы"المقدمة" فُتنت بها وأنا الذي عنهن مُعرضا. أتى بيّ القدرُ إليها، من كُل حدبٍ وصوبٍ.. أنا مَن فُزت بها. وَلّيت إليها حثيثًا بعدما تخطيّت زحام العابرين والعراقيل مُضيًا ليجمعنا القدرُ. وفي وليجة نفسي بقيتُ حائرًا، لما القدرُ ألقاني بين أحضانها؟، هل سأ...