الفصل العاشر.. (تنازل).
----------
خُلقت حُر تمتلك مقاليد حياتك، لديك بعض العقاقير المُضادة للذنبِ ولديك مُخدر اسمه الممنوع، إما أن تجد مذاقه علقم فتُعرض عنه أو تستمر فيموج بين شرايينك ناهيًا عُمرك وما بين الفترتين، تُمنح فرص لكي تكون إنسانا.
-------
جابت ببصرها بين الثلاثة لم تُدرك بعد سبب وجوده فيما التقطت والدتها كفها حتى أجلستها على الكرسي المقابل له ثم تابعت:
-دكتور ريّان طلب إيدك مني يا غفران!
غفران بحدقتين متسعتين تصيح:
-طلب إيدي أنا؟!
تهللت أسارير وجه "تتقو" فقد أدركت مُنذ زمن حُب هذا الصامت لصديقتها وكانت تتوقع هذه اللحظة، أسرعت تقوى بالجلوس بجوار صديقتها فيما أردف ريّان بنبرة ثابتة:
-بصراحة، أنا حبيت إن بداية كلامي تكون مع والدتك.
ظهرت ابتسامة هادئة على ثغرها، ريّان هو حلالها المُنتظر؟!، ولكنه متى أحبها وكيف؟ فبينهما خلافات لا تنتهي وهو ذاك الذي لا يبتسم إلا قليلًا بل كاشر الوجه، توقفت عن التفكير فجأة لتضع كفها أعلى يسار صدرها فهناك نبض يتسارع بشكل ملحوظ، أهو خوف أم ماذا؟! أبعدت كفها على الفور ثم قطع شرودها صوت والدتها تقول:
-دكتور ريّان عاوز يسمع رأيك!
نحت غفران ببصرها إلى صديقتها وكأنها تلوذ بنظراتها إليها أو تستجديها حتى تساعدها فقد فرت الحروف ورُمست ملامحها وما عادت تنطق، تنحنحت تقوى قليلًا بعد أن فهمت ما تود صديقتها البوح به دون أن تنطقه، التفتت بكليتها ناحية ريّان ثم تابعت بابتسامة هادئة:
-بأعتذر منك يا دكتور إنت عارف غفران تلقائية ولما تنصدم مش بتعرف تتكلم، أنا عندي سؤال معلش يا دكتور.
أومأ ريّان برأسه مُتفهمًا لينصت إليها جيدًا بعد أن أشار لها بأن تواصل حديثها:
-هو حضرتك حبيت غفران إمتى! ولا هي أي عروسة والسلام!
ظهرت على فمه ابتسامة عريضة، التفت ببصره إليها ثم تابع بنبرة أكثر حزمًا وهو ينظُر داخل بؤبؤي عينيها مُباشرةً:
-لو كانت عروسة وخلاص كان زماني متجوز أي واحدة، أنا جاي هنا بقلبي.
نظرت غفران إليه وعيناها تلمعان بالحيوية من اعترافه الصريح أمامهما، أطرقت برأسها مرات في بُطء تشعر بغرابة ما تمر به وهنا أضافت تقوى بابتسامة حقيقية وبنبرة حماسية بين الدعابة والجد قالت:
-طبعًا أعتقد إن حضرتك عارف إن مفيش حاجة هتم بينك وبين صاحبتي إلا بعد موافقتي أنا الأول، كُل إنسان له حماة واحدة حضرتك هيكون ليك اتنين وعلشان تاخد موافقتي لازم تقنعني بيك، لو سمحت عرفني بنفسك.داهم الجميع وصلة من الضحك وحصل بينهم تجاوب عميق، تنهد ريّان بهدوء قبل أن يسترسل في عرض سيرته الذاتية بإيجاز:
-ريّان عبد العزيز الشُهبي، 29 سنة، خريج طب عيون وعندي مركز لعلاج وجراحة العيون ورثته عن والدي الدكتور عبد العزيز الشُهبي، والدي ووالدتي توفوا من سنتين.
تجسدت صورة الحادثة واضحة أمام عينيهِ، أظهر في هذه اللحظة تجلُدًا لا مثيل له حيث عافر في ولادة ابتسامة باهتة من رحم وجعه القائم خلال هذين العامين، تنحنح بثبات وهو يُردف:
-وأيه تاني يا حماتي الصغيرة؟!
هزّت تقوى رأسها تتصنع اليأس كشيء من الدعابة، رغم تماسكه وهو يحكي عن والديه إلا أنها لاحظت بؤرة سوداء عميقة تُداهم قلبه، لم تكُن غفران بأقل منها في إدراك ذلك حتى الأم شعرت بأن هناك خطب ما، لهذه الدرجة هو طفل بلا أسرار في حضرة الذكريات المُتعلقة بهما وكأنه أبان عن تحسرهِ من خلال كلامه، تابعت تقوى بنبرة مازحة:
-يا خسارة مقولتش إن عندك أخ، كُنت اتجوزته وبقيت سلفة صاحبتي.
أطلق الجميع قهقهات مرحة فيما أضافت تقوى بحسم وهي تتوجه بالحديث إلى صديقتها:
-غُفران، قولتي أيه؟!
أطرقت برأسها في خجل ثم أجابتها بنبرة خافتة:
-طالما إنتِ وماما موافقين يبقى تمام.
بدأت مراسم قراءة الفاتحة وما أن انتهوا حتى أطلقت "شريفة" زغرودة طويلة من فرط سعادتها، احتضنت تقوى صديقتها التي لم تستوعب بعد ما الذي يجري وهنا أردف ريّان بنبرة مرنة:
-أيه رأيكم أتصل بصديق ليا جواهرجي هييجي وغفران تنقي اللي يعجبها والخطوبة بعد أسبوعين علشان البنات يحضروا نفسهم.
شريفة تؤيده في الرأي:
-تمام يا بني، ربنا يتممها لكم على خير، يلا يا بنات اجهزوا علشان الضيف اللي جاي.
----------
كان يجلس إلى إحدى الأرائك بغرفة الاستقبال، ينظُر إلى بعض الأخبار الكروية، أخذ يُقلب بين قنوات التلفاز بملل ورتابة وهنا جلست "نادين" إلى جواره ثم أردفت بنبرة هادئة:
-أخبارك يا أتش؟ وقاعد زعلان ليه؟!
هشام دون أن ينظُر إليها مُستمرًا في التقليب:
-بشوف جديد التليفزيون.
تنحنحت "نادين" قليلًا قبل أن تبدأ حديثها لتقول بنبرة ثابتة:
-بقولك يا أتش، صديقاتي خارجين في رحلة سياحية لمدة تلات أيام وحجزوا ليّ تذكرة من غير ما أعرف، أيه رأيك أروح معاهم؟!
استمرت ثرثرتها معه زمنًا طويلًا دون إجابة منه وأخيرًا التفت إليها ثم تابع بنبرة غير مُبالية:
-Enjoy Nano
نادين بسعادة وهي تقترب منه مُقبلة خده:
-ماشي يا حبيبي، أنا بس ما كُنتش عاوزة أسيبك لوحدك.
هشام بابتسامة هادئة من جانب فمه:
-لا، ما أنا كبرت.
---------
صمت رهيب بين أروقة هذا الديوان وعلى أثره تُسمع أخف الحركات، جلس الشيخ قبالة هذا الأب المكلوم قائلًا بثبات:
-انصت ليّ يا شيخ حوراني، الحروب يلي بينا ما راح تقف لو ما اتحدنا ككُبارات، دم بنيتك على راسنا وإنت قتلت تيمور بيدك، البنت حينها كانت حِبلى بس ما أقدر أظلم تجوى بشي ما تريده، ما يصح نعيد يلي صار مع (عفرا وتيمور) ما كان يجمعهم حُب ولا ود.
الحوراني بثبات وصوت أجشٍ:
-من مِيتى الحُب كان في عُرفنا؟ لو ما كان رايدها كان قال.
الشيخ داغر وهو يومىء برأسه إيجابًا:
-هم ما قالوا حتى يحترموا تحسين العلاقات بين القبيلتين.
أردف الحوراني بنبرة أكثر حزمًا وهو يضع كفه على قلبه:
-قلبي ما ينسى لحظة دفنتها وعقلي ما ينسى إن القاتل الحقيقي لساه حي، وِلدك الطاغية عابد أحق بالموت وعلشان التار ينتهي إما بيموت عابد جصاد روح الطفل أو بتصير تجوى مِنَّا.
الشيخ داغر وهو يردف بنبرة مهمومة:
-كونوا الأحسن يا شيخ حوراني، راح أقنع تجوى وبينتهي التار لحد هنيا حتى لو جابت بنت!
تنهد الحوراني تنهيدًا ممدودًا بعُمقٍ، يعلم الشيخ داغر أن الأخير ليس قاسيًا ولا يشبههم ولكنه لا يرغب سوى في الانتقام من عابد، يرى أن نيران قلبه ستنطفئ بموته، أشاح ببصره للبعيد ثم أردف بثبات:
-راح فكر.
--------
-أنهي أحلى يا ماما؟!
قالتها غفران وهي تنظر إلى المجموعة المنتقاة بعناية فائقة لها، جلس التاجر إلى جوار ريّان الذي يتابعهن بنظرات هادئة، يشعر بالدفء بين أروقة هذا البيت البسيط ويشعر بطفولته المفقودة في أمومة هذه السيدة الطيبة كذلك يشعر بالكمال في شغف هذه النقية التي أسرته بذكاء شديد، لم تفعل سوى أنها أظهرت كيف تكون سجية الإنسان عندما لا تختلط بمكتسبات دُنياهُ فتدنيها، هي نقية لا يشوبها شيء وهو بحاجة مُلحة إلى النقاء في حياتهِ حتى يُقاوم.
أشارت كُلًا من السيدة شريفة وتقوى في آن واحد إلى خاتم مُطعم بفصِ ألماسيٍ من اللون الأسود، ضحكن بسعادة على اختيارهن فيما تابعت غفران بتلقائية:
-هو حلو بس مش غالي عليك أوي؟!
ابتسم ريّان بخفة ثم أردف وهو يُشير إلى صديقه بالموافقة:
-الغالي يرخص لك يا غُفران.
ضغط على اسمها بحركة مقصودة لتبتسم هي بخجل، أخرج الرجل مجموعة أخرى خاصة بالأساور الرقيقة لتختار هي منهم على مضض، بدت وكأنها سيدة مصرية أصيلة لا تود التثاقل على شريكها بكثير من الطلبات، كُل حركة منها تُغرقه فيها دون أن تدري بما تفعله فيه، انتهين من اختيار ما أرادته ثم أردف الرجل ذو الأربعين ربيعًا قائلًا:
-ربنا يتمم على خير.
ربت ريّان على كتف الرجل بامتنان، فهما يجمعهما علاقة صداقة مُنذ أن كان هذا الرجل ووالده صديقين ليُصر على جعل العلاقة باقية بصاحب والده حتى بعد وفاته والآخر لم يتوانَ عن الإصغاء الكامل لهذا الشاب المكلوم.
أنت تقرأ
رواية "ضي البادية".. حرب مسلوبة الراء.
Romance"المقدمة" فُتنت بها وأنا الذي عنهن مُعرضا. أتى بيّ القدرُ إليها، من كُل حدبٍ وصوبٍ.. أنا مَن فُزت بها. وَلّيت إليها حثيثًا بعدما تخطيّت زحام العابرين والعراقيل مُضيًا ليجمعنا القدرُ. وفي وليجة نفسي بقيتُ حائرًا، لما القدرُ ألقاني بين أحضانها؟، هل سأ...