الباب السابع والعشرين: القائد

9 2 2
                                    


- الـقـائــــد أمـيـــراي -

كنت طفلا في حينها ، لم تكن العربة المفروشة بأرقى أنواع الصوف والقطن تعني لي شيئاً ، ببساطة أقف فوق هذا الكرسي الوثير المصنوع من قبل افضل الحرفيين وأمهر الخياطين ، لم أكن أخشى السقوط من فوقه بسبب عثرة في الطريق أو تردد من الخيل لأنني ولدت وأفضل ساساتها من يخدمونني ولا تقود عربات عائلتي إلا الخيول الأصيلة عريقة النسب ، حولي مربيات و وصيفات وخدم في كل مكان ، لم يكن يسمح لهم أن ينطقوا ببنت شفة عتاب نحوي ، لا ضربي أو تأنيبي أو حتى الاعتراض على بعض التصرفات الأنانية من طفل عادي وتصحيحها ، لأنه وببساطة لم أكن عاديا ، كنت نبيلا ، أحضر دروس التاريخ والآداب والسياسية ، تعلمت المنطق والفلسفة والحساب والاقتصاد والكتابة والشعر والعادات والقوانين، كنت نجيبا فطنا لأترابي ، أو هذا ما قالوه لي ، فكأي طفلٍ ذكرٍ اشتد عوده وقوي ساعده في مجتمعي الحريص ذاك ، قُرر تعليمي الرماية والمبارزة وإمتطاء السابحات النواهد الجرد طويلات الذنابى هديبيات المشية ناعمات اللبد صلاب الحوافر ضليعات الصدور مسبوكات اللحم أصيلات المحتد معروفات النسب عتيقات النوع ، فتم أقتيادي لأنهل تعليمي من سيف عائلتنا ويدها الباطشة وعينها الزوراء ، أصغر نواب القادة في تاريخ أمصار البلاد ، قائد النواب والنائب الأول للقادة ، لؤلؤة عائلتتا العسكرية وشمسها الساطعة ، النائب مصعب.

كوليد صغير ، سمعت أساطير تنسج عن أنه ضخم كالجبال ، طويل كالنخل ، قوي كالترس ، صلب كالحجر ، حاد كالسيف ، ثاقب كالسهم ، شديد كالصحراء ، مكار كالبحر ، لا تأمنه الأعداء ولا يشك به الحلفاء ، وأنا وبصفتي درة منزلي قد تم تعليمي على يده ، لم تخطئه اي صفة سمعتها عنه ، لم يحاول جعل علاقتنا أكثر من ملقن ومتلقن مع كثرة الفرص السانحة لذلك ، بنى علاقة طوبها احترام وقرميدها إخلاص ، ولكن دوام الحال من المحال ، قد أُتِيت كل خصلة تمنها امرؤ ، إلا اثنتان احدهما هي البكرية ، كنت الصبي الثاني في العائلة ، وأحياناً مهما بذلت من سهر العيون و إبلاء البنان ، فلن تصل لمرادك أبدا ، كان أول هذا الأمر حلوًا لعائلتي ، فكعائلة من الطبقة الإستقراطية من المفترض أن ذروتها تكون في أول أنجالها ، وليس في ثانيها ، وعلى ذلك عندما تعرض المفاضلة بين الأسر النبيلة ويعرف أن الابن الثاني قد نبغ سيتم فوراً رفع الابن الأول فوق الثاني بداهة ، لكن أخي الأكبر لم يبلغ بلوغي ولم يتجاوز أثري ، ليس تقصيرا منه كما قيل لي أيضا ، بل تفوقا مني ، ولأن القانون والتقاليد فوق الجميع ، تم تكوير نجمي وإطماسه ، ومع كل ذلك كان سطوعي لا يخفى بسهولة وخصيصا لمن كان له احتكاك بأصلابي وأقربائي ، قد رأو غمر شمسي إهدارا ، ولذلك ومع أنها حالات نادرة تم تعييني كقائد عسكري.

لكل عائلة نبيلة إقطاع وإقليم تفرض عليه سياستها ، وعلى ذلك فلكل عائلة أن تعين قائداً عسكرياً ونائبا له وحاكما يحكم ذاك الإقليم ، بالعادة تقوم تلك العائلات بتربية الأطفال من خارج النبلاء وتستخلص أنفَسَهم لتعينه قائدا ونائبا ، وذلك للقيام بالوظائف التي يترفع النبيل عن القيام بها ، لكن في بعض الحالات ولأي سبب من الأسباب ومثل حالتي قد يعين نبيل في هذه الرتب ، وبالتأكيد سيعين كقائد بغض النظر عن مهاراته حقا ، وهنا يحدث التعارض ، فكما قلت هذه الرتب موجودة لكي لا تتسخ أيدينا، فعندما تعين نبيلا فيها أنت تحكم على النبيل القائد أن يبقى في العاصمة ولا يغادر منها ، لأن أي شائبة قد تصيبه ستصيب اسم العائلة ، ونتيجة لكل ذلك حكم علي بالبقاء في العاصمة الملكية.

ثورة إخوةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن