الباب السادس عشر: رحلة بحث

8 3 0
                                    

- السـيــد يـامـــن -

توقفت العربة فوق ما يمكنني أن أسميه بركة موحلة مصغرة ، أخذت نفساً عميقاً بعدما كنت قد وطئت عليها بلا سابق إنذار ، كان يمكنه على الأقل الوقوف أبعد بمترين فقط ، لكن لا يهم حقا رميت القطعة الفضية نحوه والتقطها بحركة سريعة من يده الهزيلة، ثم انطلق دون أن يعلق حتى ، أكملت طريقي يكفي أنه وافق على اصطحاب شخص دون أن يعرف هويته ، تأكدت من أن وجهي مخفي جيدا تحت ردائي ودخلت المدينة ، ‹وُرُه› أقرب المدن من البلدة..
«قد طردتهما ، غادرا البلدة بالفعل»
هذا ما قاله ثائر ، هل كان علي إغلاق متجري ، ترك القرية التي عشت فيها لمدة طويلة ، نسيان حياتي المسالمة ، صررت على أسناني ، اختفى ثائر بعد جدالنا ذاك ، هل علي البحث عنه بدل عن الطفلين ؟
هل ما أفعله خاطئ كأب ؟
في الحقيقة ربما..
لكنه ليس خاطئاً كصديق ، وعدته وهو حي و وعدته أمام قبره ، يجب أن اجدهما ، اصطدم كتفي بشخص أثناء سيري
"انتبه لخطواتك"
"آسف"
بدأت عيني برصد الطرقات ، لا أعلم بما سيفكر به الطفلان بالضبط ، لكنني أكاد أجزم أنه قطع بهما الحال في طريق جانبي أو حي فقير في هذه المدينة ، هذا ما يزيد قلقي ، هما طفلان أولا وثانيا هذه مدينة كبيرة بل رئيسة ، لم يخرجا من بلدتهما طوال حياتهما في الأصل ، ألتقطت عيني تغير الاحياء بالتدريج ، بدأت الرائحة القذرة وأصوات الجدالات والاحساس المزعج والبيوت العتيقة وطعم الرطوبة الذي يغطي لساني يظهرون بشكل متتابع ، لا بد أنني وصلت لمركز المدينة ، هذا يرجع ذكريات بالتأكيد ، الأيام التي قدت فيها المحافل والندوات في الأماكن المشابهة ، قد افادتني خبرتي علام يبدو ، مشيت في الطريق الترابي المليء بالحفر التي تغمرها المياه الصفراء من حوالي أسابيع ، لمحت عيني رجلاً عاري الصدر تقريباً ببنطال تطول إحدى قدميه على الأخرى وبرأس أصلع وعلى خصره مسدس من المفترض أنه يخفيه لكنه يظهره بطريقة مقصودة ، كان يقترب من الجهة الأخرى للطريق ، عندما مر بجانبي أمسكت بساعده..
وقبل أن يرمقني بنظره ، قلت:
"أين صاحب الخبر ؟"
ثبت رأسه بيحث لا أنظر إلى وجهه أو ينظر إلى وجهي ، مع استمرارنا بتوجيه نظراتنا إلى أمام كأننا لم نتوقف قال:
"بعد زقاقين على اليمين"
وأكمل طريقه ، صاحب الخبر لقب يطلقه اصحاب الأعمال غير المشروعة على الأشخاص الذين يعملون لصالح كل الأطراف ، بائع معلومات لو صح تسميتهم هكذا ، احتاج أن اسأله عن التوأمين ، بعد أن وصلت للمكان المحدد كان هناك شخص يجلس أمام بيت في حالة سيئة على سجادة فارسية بلون رمادي تحمل بين خيوطها لمحات من اللون الأحمر والذي فقدته مع الزمن ، بثياب رقيقة تغطيه مع ذقن حادة محلوقة وشعر بني يصل إلى كتفيه ، اقتربت منه ببطء ، عندما وصلت أمامه رفع نظره إلي ، تأملني قليلاً ثم وضع ابتسامة ساخرة وقال:
"لدي الذي تريده ، مواقع الثوار الذين قرروا التحرك ضد الحكومة ، أسماء إماء الحاكم الذين هربن مؤخراً لو كنت تريد واحدة ، حاولوا التستر على الأمر لكنهم لم يفلحوا ، أو ترغب بقائمة للذين طعنوا آخر ثلاثة أيام لكي تعرف هل القاتل الذي استأجرته لقتل شخص ما نجح في قتله أو لا"
"لا أريد أيا من هذا"
قاطعته ولم يعجبه الكلام علام يبدو
"إذن أنت من أولائك الأغرار الذين يدخلون اعمال مثل هذه لأول مرة ؟"
"ليس كذلك أيضاً..
أنا فقط أبحث عن شخصين"
وقف أخيرا وبسط يده ، أخرجت قطعة فضية من جيبي و وضعتها بيده ، اتسعت عيناه وادخلها بجيبه بسرعة بعد أن عضها ، وقال:
"من هما ؟"
"أبحث عن توأمان صغيران ، عمرهما أربعة عشر عاماً ، ولد و فتاة ، الصبي مشاغب جدا والفتاة تثرثر وتتذمر كثيراً ، وصلا لهذه المدينة من حوالي الشهرين ربما ، بالغالب ليس لديهما اي مال"
تجهم وجهه بسرعة ، ثم رفع يده معترضا ليقول:
"لست جليس اطفال يا هذا ولست حارس في حدود المدينة ، الناس هنا يسألوني عن الأسلحة المهربة ومواقع المقاومة المحتملة ، وليس عن الاطفال!"
"لا أهتم بذلك يا صاحب الخبر!
اجب عن سؤالي!!"
"لا اعرفهما.."
قالها وهو يتنهد لكنه أكمل:
"لكن..
ربما أعلم شيئاً قد يساعدك"
"تكلم"
فرك اصبعيه ملمحا ، رميت قطعة نقدية أخرى بسرعة والتقطها بحركة أسرع ثم قال :
"قبل ثلاثة أيام في نفس يوم هروب إماء الحاكم صادف ذلك طعن لص ، قيل أن الطاعن طفلة صغيرة..
هذا لا يحدث بالعادة ، ربما هي من تبحث عنها"
كتمت ضحكتي الساخرة ، آخر من قد يطعن لص هي رغد حقا
"ليست هي بالتأكيد"
استدرت ورميت هذه العبارة في الهواء
"إن كان الطفلان بالمواصفات التي قلتها فأنا أنصحك بالبحث في أسواق النخاسة ، طفلان مثلهما مشردان لن يبقيا حران لفترة طويلة"
أحكمت قبضة يدي وتابعت سيري...
اسواق النخاسة ؟
علمت أنني خرجت من ذاك الحي القذر عندما بدأت أرى بعض الأكشاك الخشبية وبالتدريج بدأ الزحام يزداد ، اصبحت الأرضية مرصوفة بالحجارة بالفعل ، كانت هناك محال للأقمشة وفنادق وحرفيين وبعض الباعة الجوالين ، متاجر للملابس معروضة بشكل احترافي في واجهة زجاجية جذابة ، كان هناك مجموعة من الأطفال الإسكافيين في جوانب الطرقات ، وبعض الفتيات الصغيرات اللاتي يبعن أي شيء يمكن أن يحمل داخل سلة صغيرة ، مؤكولات وباقات ورد وأعواد كبريت وما أشبه ذلك ، توجهت لبعضهم وسألتهم عن أكسم ورغد ، لكن لم يكن أيا منهم يعرفهم ، لست محبطا في النهاية يستحيل أن اعتر عليهما من يومي الأول لدى بحثي في المدينة ، تركت قدماي تتجول حتى وصلت لخشبة كبيرة مهترئة عليها العديد من الأشخاص الواقفين ، سوق النخاسة...
كان العبيد يقفون بصف مستقيم بينما يعرضهم التجار وينظر إليهم الزبائن ، بدأت بالبحث عنهما بين العبيد الصغار لكنني لم أجدهما ، حسنا ليس الأمر كأن كل العبيد قيد العرض الآن ، وليس الأمر كذلك أن هذا سوق النخاسة الوحيد في المدينة
"أنت أيها السيد السمين!!"
صوت عالي من رجل طويل كان ينظر إلي باهتمام ، بدا أنه أحد التجار ، اقترتبت منه بتحرز
"ماذا تريد ؟"
لم أقلها بنبرة حادة بالطبع فهو لم يفعل شيئا، لكن هذا لا يعني ألا أكون حذراً
"رأيتك تعاين عبيدي يا سيدي ، أأعجبك أيا منهم ؟"
قالها وهو يفرك يديه و مظهراً بعض الاسنان المفقودة من فمه
"هل لديك فتيان أصغر ؟"
لم يستغرب حقا من سؤالي ، ألقى نظره بسرعة لرجل كان يقف بعيداً قليلاً على ما يبدو هو مساعده وأشار له أن يأتي بسرعة ، قدم الرجل بما بدا لي أنه هرولة وفورا همس التاجر في إذنه لكن زميله هز رأسه نافياً
"حسنا هل لي أن اعرف مواصفات العبد الذي تريده بالضبط ؟"
نقل نظره عن رفيقه وهو يقول هذا
"فتى أو فتاة ، في حوالي الرابعة عشرة ربما..."
كان من الواضح وأنا أكمل وصفي أنني ابحث عن أناس محددين ، لكن سأضطر لتضحية بذلك على أمل أن استطيع وصفهم بشكل جيد ، وفي النهاية لم يفلح الأمر...
لم يكن لديه أي معلومات حول التوأمان ، يبدو أنني سأكمل بحثي على هذا الوجه...

ثورة إخوةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن