الباب الثاني عشر: جدال في زريبة

10 3 0
                                    

-أكــســـم-

كانت الشمس الحارة تصفع وجهه ، مرتديا لقميص مجذوم بلا أكمام وبنطال كثرت فيه الرقع كان يبدو كالاحدب وهو يحمل الكيس ذاك فوق ظهره...
قطرات العرق كانت تنساب على وجهه بغزارة وهو يعض على نواجذه ، لا أشعر بالسعادة لحالته المزرية تلك أو حتى بالحزن...
"لما توقفت يا هذا!
أكمل طريقك!"
اتتني دفعة قوية من الخلف من قبل أحد رجال سيدي ، فأكملت سيري إلى السفينة لأخرج صندوقاً أو كيسا أو مهما يكن ما داخلها حقا...
مر شهر منذ فراقي عنها ، عن طريق السلالم التي بجانب السفينة صعدت فوقها ثم توجهت لقبوها وحملت كيسا على ظهري بعد ذلك عدت لسطح السفينة ونزلت عن طريق السلالم مجدداً ثم حملت الحمولة حتى المخزن...
قد مر من أمامي لكنني لم أنظر إليه حقا...
كان اليوم رتيبا لم يحدث شيء غير المعتاد ، قمنا فقط بتحميل السفن وانزال الحمولات ، عند المغيب تم اقتيادنا مثل المواشي نحو زريبة قريبة من الميناء ، رائحة الرطوبة منتشرة فيها وملئة بالقش أيضاً ، تتسع لقرابة ستين صبيا ، لكننا فقط أربعين لذلك المكان ليس ضيقاً..
لكن النوم بجانب فضلات الحيوانات و وضع رأسك عليها بالتأكيد ليس مريحاً ، خصيصاً عندما تكون جديدة وتعلق وهي دبقة في شعرك...
تستخدم هذه الزريبة في العادة لوضع الحيوانات التي سيتم نقلها عن طريق السفن هنا...
لكنها في أغلب الأوقات خالية...
حسنا كل ما علي فعله هو النوم والاستيقاظ ليوم جديد...
«فكر الآن كيف سوف تكمل حياتك ، وانسى أختك»
جررت خطوتتي حتى استلقيت على كومة القش خاصتي...
وائل محق ، بما أنني حي فأنا سعيد..
لما أحتاج طعاما جيدا حتى ؟
في النهاية البشر هم من حاولوا التفرد عن الحيوانات كلانا سواء ، بلا عقول أو أخلاق وكلنا متوحشون...
"حالتك سيئة حقا..."
سمعت صوته فجلست ونظرت إليه ، كان وائل...
"كنت محقا..
أنا أشكرك ، لقد منحتني حياة جيدة"
وضع وائل ظهره على عمود خشبي مصدرا ازيزا...
"لما تبكي إذن ؟"
آه ؟
أبكي ؟
وضعت يدي على عيني إنها جافة...
"أنا لا أبكي..
يبدو أنك لا ترى جيدا في هذا الظلام"
أنزل وائل جسده تدريجيا حتى جلس على الأرض وثنى إحدى ركبته و وضع يده عليها...
"قد قابلت عددا لا يحصى من العبيد أيها الحر ، اعرف النظرة التي على وجهك...
أنت تبكي.."
ما غرضه من هذا ؟
قلت بسخرية مكسورة:
"أتريد مواساتي أو الاعتذار مما فعلته ؟
قد أكون شكرتك ، لكنني لن اسامحك ما حييت"
نظر إلي بطرف عينه وهو مرجع رأسه للخلف ليلمس عامود الخشب المتكأ عليه...
"أخبرتك أنك لا زلت طفلا ، كل مافي الأمر أنه من الواضح أن هذه ليست شخصيتك أيها الحر...
تصرفك هكذا يزعجني فقط..."
أعدت الاستلقاء على كومة القش وأنا أنظر إلى سقف الزريبة ، كانت بعض الألواح الخشبية محطمة لذا تمكنت من رؤية القليل من النجوم...
"لا تتصرف كشخص طيب الآن..
ألم تقل أنك لست نادماً ؟
ولا تحاول اخباري أنني الوحيد الذي تغيرت شخصيتي حينما تم استرقاقي..."
شعرت به يقف مجددا و مشى حتى استقام عند رأسي وأنا مستلقي...
"نعم أنا لست نادماً...
ونعم لست الوحيد من يتحطم بعد استعباده...
لكنني أيضاً لست شريرا أيها الحر المغفل..
أنا اشفق عليك فقط"
أطلقت اقبح ضحكة ساخرة سمعتها في حياتي
"وفر شفقتك لنفسك"
نظرت إلى عينيه مباشرة وأنا أقول ذلك ، ثنى ركبتيه واقترب من رأسي وهو يقول:
"لماذا ؟"
"شخص مثلك ولد ليكون عبدا...
أنا الذي اشفق عليك ، أنا حر وأنت عبد وضيع..
لم تملك عائلة أبدا وأنا ملكت واحدة...
أشك أنك ذقت طعم اللحم والطعام الطازج والساخن ، هل شربت غير الماء العكر في حياتك أصلا ؟
كان لدي اصدقاء وأنا لا اعتقد أن لديك أيا منهم...
فأنت هنا من يستحق الشفقة ، قد أكون خسرت كل هذا لكنني تذوقته...
أنت لم تحلم به حتى ، حياتك كلها من سوق نخاسة لآخر...."
توسعت عيناه ، هو يستحق كل كلمة قلتها...
"أنت حقا حر أحمق...
الشبه بيننا لا ينتهي يا هذا"
جلست بسرعة وأنا أنظر إليه بغضب
"اي شبه بالضبط ؟!!
أعطني شبها واحداً بينتا فقط!"
وقف واعطاني ظهره وقال:
"لست مجبرا على أخبارك..."
وقفت خلفه بانفعال:
"لا أنه لا يوجد أصلا!!
لا ترفع مستوك أيها الحقير!"
استدار نحوي وهو يبتسم...
هذا اثار حنقي لدرجة شعرت بجسدي يستشربه استشرابا...
"لما تضحك ؟!"
صرخت
"أشعر ببعض الراحة حقا..
وأنت غاضب افضل بكثير مما كنت عليه...
ولمعلوماتك ، أنت الآن حقا تبكي"
وضعت يدي على عيني بسرعة...
هو محق...
عيناي حارتين...
"أيها المتلاعب الخبيث!!"
قلتها بأعلى صوتي وانا أوجه له لكمة على وجهه مباشرة...
تراجع من أثرها...
لكنه بسرعة اعطاني لكمة على بطني جعلتني اجثو على الأرض...
مؤلم...
"كما أخبرتك لست الشخص السيء...
في الواقع...
لم أكن الشخص السيء أبدا...
كأي انسان طبيعي رأيت طفلاً محطما وحاولت مساعدته ، لأنني إنسان طبيعي ، ومساعدتي لسيدي في القبض عليكما كانت لأنني إنسان طبيعي أيضا ، ولست وحشا أو ما شابه...
في الواقع قد تكون أصبت في شيء واحد فقط..
قد رأيت غيرك الكثير بالفعل بنفس حالتك ، لكن شبهك بي جعلني اتدخل هذه المرة...
أجل في الواقع أنا أغار منك في الحقيقة...
لديك ذكريات جميلة وربما كانت لديك عائلة رائعة ، أجل أنا أغار...
لكن..."
اقترب مني بخطى بطيئة وقال:
"ربما أنا كنت مخطئاً في شيء كذلك...
قد كذبت عليك لأنني كنت احسدك ، لا تنسى شقيقتك مهما كلف الأمر "
نبض قلبي بسرعة...
كيف فكرت للحظة بالتخلي عنها...
لا بد أنها تثق بي وتنتظرني في الاساس!!
أمسكت صدري بسرعة ، بما كنت أفكر...
بدأت بالبكاء ، البكاء بقوة...
استدار وائل ليرحل
"وائل توقف!!"
أكمل سيره لثانيتين قبل أن يتوقف ويلتفت إلي باستغراب...
"أجل صحيح أنت مغفل حقا حتى في هذا..."
قالها هامسا...
"لن اسامحك أبدا.."
ابتسم مستهزاء وذهب...
علي الهرب من هنا...
علي إيجاد رغد....

---------

الكاتب:

الاسترقاق: هو الرق أو الأسر ، وهو استعباد الشخص
سوق النخاسة: السوق الذي يباع به العبيد
شغال معجم معاكم :)

ثورة إخوةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن