"المقدمة".
«هنا أنا عزيزتي -الحياة- أحارب بكِ بأجنحة فراشة، وتهاجمينني وكأنّي وحشٌ جامح، أبعد طموحاتي إلى عَلياء السماء، ثم تسقطيني أرضًا كالطير الذي صوَّبت نحوُّه طلقة صياد، ها أنا عزيزتي -القاسية- وسأظل أنا، أبحث فيكِ عن ملاذي وأنتِ الضياع كله، أنتظر منكِ اللّين، وأنتِ الجحود كله، هُنا بكِ أنا، مُحاربة بكِ، ومُحبة لكِ.»
-رنَـا محمود." الإهداء"
«حياة !! تُصفِع تارة، وتُعانِق تارة، ومابين هذه وتلك، هذا الإهداء لك، تأقلم!»
-رنَـا محمود.(الفصل الأول)
في مبنى ما بالقاهرة، وفي منتصف الليل حيث الظلام الحالك، والصمت الرهيب، كانت تتسحب تلك الفتاة ذات الـ 18 عام، على أطراف قدميها خوفًا من أحدًا ما يراها، تلك الفتاة بملامحها الملائكية والباهتة معًا، وشعرها البُني المنسدل على كتفيها، متجهه نحو البوابة، كان هذا المبنى هو ملجأ، تلك الفتاة كانت تنوي الهرب بسبب سوء معاملتهم لها، عندما وصلت إلى البوابة توجّه نحوها مصباح إلكتروني، كانت تحمله مديرة الملجأ، السيدة القاسية التي كانت في الأربيعينات من عمرها، كانت تعذبهم وتعنفهم، لتحدّث الفتاة بنبرة خشنة:
-حياة !! بتحاولي تهربي تاني؟؟
تجمدت تلك الفتاة المسكينة في مكانها، ثم استدارت لتواجه وجه تلك السيدة:
-أستاذة نعمة! أنا أسفة أنا مكنتش...
لم تستطيع تكملة حديثها، لتتقدم نحوها نعمة وتسحبها من ذراعها، لتحاول حياة التحدث ولكن لا حياة لمن تنادي، زجّت نعمة، حياة في زنزانة يُعاقب بها كل من يعصي نعمة، ويرتكب خطأ، لتجلس حياة وهي تبكي، دافنة رأسها بين قدميها وتحتضنهم، فتلك لم تكُن المرة الأولى لمحاولة حياة بالهروب، ولكنها دومًا كانت تفشل في الهرب، ولا يريدون تركها وشأنها، ف قوانين الملجأ أن لا تذهب الفتاة لأي مكان، سوى إذا كانت ستتزوج.***
في منزل ما متكون من خمس أدوار، يوجد يافطة على بوابته بعنوان «منزل الغريب» في الطابق الخامس حيث يوجد شقة باسل الغريب يخرج من غرفته مرتدي بدلة سوداء أنيقة ولكنه كان دائمًا يحب أن يخلع سترتها يمسكه بيده، ويرفع أكمام قميصه الأبيض، فكان هكذا يجد راحته أكثر، وكان لا يحب إرتداء ربطات العنق، فكان يترك القميص مفتوح قليلاً، باسل كان في الثلاثين من عمره، لم يكن وسيم للغاية، ولكنه لديه ملامح جذابة وبشرة سوداء تزيده جاذبيه، ولكنه كان لطيف بغمازاته، وعيونه البُنيه، خرج باسل بسترة بدلته بيده، متجهًا نحو غرفة إبنه، نادر ذو الـ 10 أعوام، باسل كان متزوج من فتاة لطيفة وجميلة تدعى مي، ولكنها قد توفت منذ خمس سنوات، باسل كان يعشقها، ولا يرى سواها، ومنذ أن توفت وهو قرر ألا تدخل قلبه أي فتاة أخرى، فقرر أن يعيش لأبنه نادر، والذي مصاب بالتوحد، والتعامل معه صعب للغاية، خصوصًا بأن لا يستطيع أحد التعامل معه، حتى باسل نفسه، حتى أهله كانوا يرفضون الإعتناء به، بسبب تصرفاته الصعبة، قبّل باسل إبنه النائم، قبل أن يغلق باب شقته وينزل للأسفل، حيث حديقة المنزل الواسعة، الجالس بها جميع العائلة، فكانت عائلته متكونه من جده لأبيه، توفيق الغريب، ووالدة باسل، ثرية، ووالده أحمد الغريب، وشقيقة باسل الصغرى، مودة التي في العشرين من عمرها، وعم باسل الأصغر خالد الذي في الأربيعينات من عمره، وزوجته عفاف، وإبنتهم جميلة التي في العشرينات من عمرها، وكانت منذ الصغر وهي مُتيمة ب باسل، ولكنه يراها شقيقته الصغرى، أما عم باسل الكبير فكان يدعى عبد السلام، وزوجته حبيبة، وكان لديهم ثلاث أبناء، الكبير كان عادل 25 عام، والأصغر كان زين، 23 عام، أما شقيقتهم الصغرى أشرقت، وكانت 18 عام، فألقى باسل عليهم السلام وجلس يتناول الفطور سريعًا، ليتحدث جده توفيق موجهًا حديثه إلى باسل:
-إيه أخبارالشغل ياباسل؟
أردف إليه باسل وهو يمضغ طعامه:
-كله تمام.
أومأ توفيق برأسه وهو يجاوبه:
-الحمدلله.. أنا واثق فيك يا باسل.. عشان كدا أنت الوحيد اللي أقدر أسيبله كل الشغل والشركات.
تنهدت عفاف بضيق وهي تنظر لزوجها خالد، ليقف باسل وهو مستعد للرحيل ومازال ممسك بسترة بدلته بيديه، لتحدثه والدته ثرية:
-هتمشي من غير ماتكمل فطارك؟
ليقبّل باسل رأسها وهو يجاوبها:
-انا خلصت أكل ياحبيبتي الحمدلله.. عن إذنكم.
رحل باسل تحت أنظار عائلته، لتتحدث جميلة بسخرية:
-سيبيه ياطنط، ما النهاردة الجمعة أكيد رايح المقابر يزور مي.
لتتنهد ثرية بحزن على حال إبنها:
-ربنا يريح قلبك وبالك يارب يا باسل يابني.صعد بسيارته السوداء بعدما ترك سترته في المقعد بجانبه، مستعدًا للذهاب إلى المقابر، فكان يذهب لزيارة زوجته كل يوم جمعة.
***
كانت تجلس بالزنزانة تبكي، حتى تورمت عيناها، لتأتي إليها سيدة تدير أعمال الملجأ مع نعمة، لتسألها بخوف وقلق، بينما تنظر حولها:
-عايزة تهربي من هنا؟
وقفت حياة وهي تنظر إليها، ثم أومأت برأسها سريعًا:
-ايوا، أرجوكي خرجيني من هنا.
نظرت تلك السيدة إليها بحزن، لتجاوبها:
-أنتِ زي بنتي! وعشان كدا هساعدك تخرجي من هنا.
وبالفعل أخرجت تلك السيدة مفاتيح الزنزانة وفتحت لها وأخبرتها على مكان سري، تستطيع الهرب منه، وبالفعل شكرتها حياة بسعادة، وهرولت نحو ذلك المكان، ولكن لسوء الحظ رآوها الحرّاس، وبدأوا بالركض خلفها، ولكن بالفعل كانت خرجت حياة للشارع، ظلت تركض وهؤلاء الرجال الإثنين يركضون خلفها، وبدون سابق إنذار تصطدم بسيارة بيضاء اللون، مما جعلتها تُصاب في رأسها وبعض الخدوش في وجهها ويدها، ولكنها كانت خائفة من أن الحراس يمسكون بها، فوقفت بألم تنظر لبنطالها الجينز الذي قد قطع بالفعل من عند ركبتها أثر الحادث، فنظرت للسيدة التي كانت تقود، فظلت السيدة تتأسف منها، وتطلب منها أن تذهب معها المستشفى، ولكن عندما رآت حياة الرجلين قد جاؤوا خلفها، بدأت تركض مجددًا حتى أختفت عن عيونهم، ظلت تركض وتركض حتى وجدت أمامها بوابة المقابر، بدون تفكير دخلت إليها، ف على أي حال لا يوجد مكان آخر تختبأ به.***
دخل المقابر بعدما ترك سترته بالسيارة، ممسكًا بباقة الورد بيده، أتجه نحو مقبرتها، وضع باقة الورد وهو يبتسم:
-عاملة إيه ياحبيبتي؟ وحشتيني! ونادر ابننا كمان وحشتيه أوي! تاعبني الفترة دي ومحدش قادر عليه وعلى تصرفاته، ومش لاقي لسه حد يقدر يفهمه ويتعامل معاه، بس إن شاء الله هلاقي الشخص المناسب!
أنهى حديثه وصمت ومازال ينظر لقبرها، ولكنه يتفاجئ بتلك الفتاة التي تظهر من خلف المقبرة، بشعرها المبعثر، والدماء والخدوش التي يملؤون وجهها، وقدميها التي لا تستطيع الوقوف عليها، صُدم من حالتها هذه، ليسألها بدهشة ظاهرة على ملامحه:
-أنتِ إيه؟
رفعت حياة حاجبيها وهي تسأله:
-نعم؟
حمحم باسل وهو يعاود سؤالها:
-قصدي.. أنتِ مين وعايزة إيه؟
-أنا الشخص المناسب!
عقد باسل حاجبيه وهو يردف إليها:
-نعم؟ قصدك إيه.
-أنا.. بالصدفة سمعت كلامك.. وعندي اتفاق ليك حلو.
-واتفاق إيه دا بقا إن شاء الله؟
-تتجوزني؟
فتح باسل فمه بصدمه وهو يبتعد عنها خطوتين:
-أنتِ مجنونة ولا إيه؟
أردفت حياة سريعًا:
-اسمعني بس! انا عرفت إنك محتاج حد يعتني بإبنك .. وانا محتاجة حد ينقذني من ورطة واقعة فيها، بمعنى أصح أشخاص بتجري ورايا عايزين يرجعوني مكان انا مش عايزة أرجعه، فأنت هتساعدني، وانا هساعدك!
ضيّق باسل عيناه وهو يستمع لحديثه، ليجاوبها أخيرًا:
-مش موافق طبعًا إيه الهبل اللي أنتِ بتقوليه دا؟
قطع حديثهم الرجلين الذي كانوا يركضون ورائها، لتحتمي حياة بضهر باسل ليتقدم نحوهم الرجلين، ثم يسألهم باسل:
-انتوا مين وعايزين إيه؟
ليتحدث شخص منهم:
-إحنا حرّاس ملجأ الحُرية، والأستاذة هربت منه بطريقة غير قانونية.
نظر باسل بطرف عينه وراؤه لينظر للمسكينه التي تختبأ خلفه، ليسأله الشخص الثاني بحِدة:
-ومين حضرتك؟ وتقربلها إيه؟
يرفع باسل رأسه للأعلى قليلاً ثم يجاوبه:
-باسل الغريب.. زوجها.. المستقبلي!
أنت تقرأ
لأنها حياة
Romance"تهيج أمواج الحياة لتدفع بفتاة مسكينة ظلّت تعاني طيلة حياتها في ملجأ تُعذَّب به، ثم قررت أن تحرر نفسها من هذا السجن الشنيع الذي لا يوجد طريقه للهروب منه سوى بالزواج، فتلتقي بشخصٌ بمحض الصدفة يكون هو أملها الوحيد، فهل سيقبل هذا الشخص بإقتراحها؟" رنَ...