الفصل التاسع عشر.

91 5 0
                                    

(الفصل التاسع عشر)

-مبسوطة؟
سألتها مي بملامح غاضبة، لتردف إليها حياة بهدوء:
-مبسوطة بإيه؟
-بإنك أخدتي مني جوزي وعيلتي، وإبني  !!
لتتنهد حياة ثم تجاوبها:
- انا مخدتش منك حاجه يا مي  !! انا قولتلك قبل كدا إن انا وباسل مخدناش بعض عن حب، إحنا جوازنا يعتبر جواز مصلحة، ولحد دلوقتي مفيش في نيتي حاجه وحشه تجاهك، ولا ناوية آخد منك باسل، انا كل اللي يهمني هي سعادة نادر.

لتجاوبها مي بغضب أكبر:
- لو كل اللي يهمك بجد سعادة نادر، سيبيه وأمشي  ! سيبيلي إبني واديني مساحة أعرف أقرب منه، وكمان هتكوني ريحتي باسل  ! لأن طول ما أنتِ موجوده في حياتنا، هو مُشتت، ومش عارفين نرجّع حياتنا طبيعية تاني، بسببك.. إمشي ياحياة.

أنهت مي كلامها وظلت تنظر لحياة، التي إمتلأت عيناها بالدموع، تركتها مي وغادرت وغلقت باب الغرفة وراءها، ثم ابتسمت ابتسامة جانبية، عندما شعرت بإن حديثها أثر على حياة، وربما بالفعل سترحل.

***

في اليوم التالي كانت التجهيزات بدأت بالفعل لحفل عيد الميلاد، وقفت حياة تتجهز أمام المرآة، بفستانها الأبيض القماش البسيط، والرقيق، وشعرها البني المنسدل على كتفيها، بينما تتذكر حديث مي بالأمس، هل عليها بالفعل أن ترحل؟

نزلت للأسفل تكمل معهم التجهيزات، لتتحدث أشرقت بمزاح:
-أيوا بقا يامرات إبن عمي  !! إيه الحلاوة دي.
ابتسمت حياة على لطافتها، ثم نكزتها في كتفها بمزاح:
-أسكتِ يا هبلة.
جاء باسل يرى التجهيزات، ليقع نظره على حياة:
-يالوز اللوز.
قالها بشرود، لتنتبه إليه حياة وهي تسأله:
-بتقول حاجه ياباسل؟
- بقول  .. خلصتوا كل حاجه؟
أومأت حياة وهي تجاوبه:
-أيوا، الزينة كلها اتعلقت، والطباخين قربوا يخلصوا الأكل في المطبخ، وكمان التورتة قربت تخلص.
أومأ باسل برأسه ثم تمتم بهدوء:
-كويس أوي.
لتشرد به حياة، حيث كان يرتدي بنطال البدلة الأسود، وقميصها الأبيض، وكالعادة يفتح أزراره من الأعلى دون إرتداؤه لربطة عنق، ويرمي بسترة البدلة بعيدًا لأنه لا يحب إرتداءها، ويرفع أكمام القميص قليلاً، مع شعره المرفوع، وطوله الملحوظ كان يشبه لرئيس مافيا إيطالية وسيم.. ابتسمت حياة من تخيلها لهذا، ثم عندما أدركت ما تفعله أزالت نظرها عنه.

عند حلول المساء، كانوا الحضور بدأوا بالمجيء، أصدقاء العائلة، والعمل، وبعض العائلات الكبيرة والمشهورة، التي كوّن معهم باسل علاقات بسبب العمل.

بعد أن إنسجم الجميع بالحفل، ظلت تبحث حياة عن باسل، لتجد يقف في شرفة المنزل، يدخن سيجارته، يُفكر بحديث إياد، وبإنه عليه الإعتراف لحياة بحبهُ، فذهبت إليه تقف بجانبه، ليلتفت ويصبح واقفًا أمامها ثم يطفئ سيجارته:
-جيتي في وقتك.
عقدت حياة حاجبيها ثم سألته:
-بجد؟ ليه؟
توتر باسل قليلاً ثم أردف إليها:
-عايز أقولك حاجه  !
رمشت حياة عدة رمشات قبل أن تجاوبه:
-وانا كمان  !
اندهش باسل ثم ابتسم، فعلم بأن حديث إياد صحيح، وإنها أيضًا تبادله المشاعر ولكنه كان يريد التأكد، ثم جاوبها:
-قولي أنتِ الأول؟
لتنفي حياة برأسها ثم تردف إليه:
-لأ  .. قول أنت.
تنهد باسل ثم جاوبها:
-طيب  .. إيه رأيك نقول سوا؟
ضحكت حياة ضحكة بسيطة قبل أن تردف إليه:
-تمام.
بعد أن استعدوا، نطق باسل:
-انا بـ  ...
ولكن حياة كانت أسرع منه، وقالت ماتريد قوله، الذي نزل على أذنيه كالصاعقة:
-انا عايزة اتطلق  !
توقف باسل عن مايريد قوله، وتجمد في مكانه، وتبدلت ملامحه:
-إيه؟
ابتلعت حياة ريقها ثم عادت كلمتها:
-انا عايزة اتطلق ياباسل  .. معتش ينفع أفضل هنا طالما مي رجعت، أنت ونادر محتاجينها هي، مش انا.
ليضغط باسل على أسنانه بغضب من حديثها ثم يسألها:
-مين اللي قالك كدا؟ ونادر؟ هتسيبيه بعد ما اتعلق بيكي؟

في الحقيقة هو كان يتحدث عن نفسه، وليست نادر، فهو تعلق بها، وعلى وجودها في حياتهم، كيف لها أن تفكر بهذا الشيء الآن؟

لتتنهد حياة ثم تجاوبه:
-دا أفضل ليه، صدقني، وقتها هيقرب من مامته و...
قطع الآخر حديثها وهو يضع يديه في جيوب بنطاله:
- انا آسف ياحياة، بس اللي أنتِ بتقوليه مرفوض.
لتعقد حياة حاجبيها ثم تسأله باستغراب  :
- مرفوض؟ هو مش أنت اللي قولتلي إن يوم ما اقرر امشي واعيش حياتي بعيد عن هنا، عمرك ماهترفض؟
تذكر باسل بأنه بالفعل قال هذا لها، ولكنه جاوبها سريعًا:
-مكنتش لسه شوفت التطور اللي حصل لنادر بسببك، متنسيش، إني اتجوزتك علشان نادر، وأنتِ اتجوزتيني علشان أنقذك من الملجأ، ومش هسمح لك بعد تعلق نادر بيكي وإنه يحطك في مقام أمه، ويلغي مي من حياته تمامًا ويحطك أنتِ مكانها، تسيبيه وتمشي بالسهولة دي.

كانت تنظر إليه حياة بصمت، كانت تتمنى لو إنه بجانب حديثه هذا، يمسك بيدها بشدة، ويقول لها بإنها لا تستطيع الرحيل بسبب حبه لها، وتعلقه بها، ولكنها تذكرت حين مرة عندما أخبرها بأن لا تنتظر منه أن يقدم لها أي حب، وعلمت بأن من في قلبه هي مي، مي فقط.. ولكنها غبية بالفعل، ولكن لا يستطيع أحد أن يلومها، فما كان يظهر على باسل، عكس الذي يخفيه بداخله.

ليسألها وهو يميل برأسه:
-كلامي مفهوم ياحياة؟
لتومأ هي برأسها بصمت، ليدخل الأخر إلى الحفل مجددًا، وكان غاضبًا بشدة، وحزين، فهو من طلبها للطلاق، ظن بأنها لا تحبه، ولكنه لا يعلم بأنها تفعل هذا دون إرادتها، فهي تظن بأنها إذا رحلت ستعود حياتهم كالماضي، ولكنها أيضًا لا تعلم بأن منذ قدومها، عرف هذا المنزل معنى السعادة.

عادت للحفل مرة أخرى، ولكن مي كانت تقف بجانب الشرفة، وتستمع لحديثهم بأكمله، كانت غاضبة بشدة هي الأخرى، لأنها تأكدت من حديث باسل وعدم إرادته لرحيل حياة، بأنه يحبها، لذلك لا يريدها أن ترحل، كان شعور مي على حق.

عند وقت إطفاء الشموع، وقف نادر في مقدمة الطاولة الموضوع عليها الكعكة ولكنه قبل أن يطفأ الشموع، بحث بنظره في كل الحضور باحثًا عن حياة، بدلاً عن ولدته التي كانت تقف تمامًا بجانبه، فركض نحو حياة التي كانت تقف في نهاية الطاولة، أمسك بيدها وعاد نحو مقدمة الطاولة ثانيًا، ثم أخبرها أن تطفئ معه الشموع، ابتسمت حياة ثم بالفعل أطفأوا الشموع معًا، كان الجميع يلتقط صور لهذه اللحظة السعيدة.

ويومًا بعد يوم، كانت تتوتر العلاقة شيئًا في شيء بين باسل ومي وحياة، إنها علاقة معقد بالفعل.

***

كان الجميع يجهز الغداء، لتدخل إليهم مي من باب المنزل، بعدما عادت من الخارج بابتسامة واسعة، استغربها الجميع ولكنهم تجاهلوها خصوصًا حياة، حتى دخل باسل كالعادة وقت الغداء، لتبتسم مي ثم تركض لتعانقه، ليندهش الأخر من فعلتها المفاجئة تلك، فعقد حاجبيه وهو يمسكها من ذراعيها:
-في إيه يامي؟
لتجاوبه الأخرى بابتسامة كبيرة:
-انا حامل ياحبيبي  ! أخيرًا هنجيب أخ ل نادر  !
اندهش الجميع من كلماتها، أما حياة فشعرت بأن قلبها تمزق لأشلاء، باسل كان لا يعلم هل هو سعيد أم حزين، ولكنه أرغم نفسه على الابتسام:
-بجد؟ الف مبروك ياحبيبتي.
كذلك بارك لها الجميع، ولكن مازال باسل مرتبك لا يعلم بما يشعر، كل مايفعله هو النظر لحياة، التي ظلت تجهز الغداء بملامح هادئة.

لأنها حياة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن