(الفصل الخامس)
غادر باسل متجهًا نحو المنزل، فدخل وكانوا يحضرون الغداء، فابتسمت جميلة وهي تحدّثه:
-كويس إنك جيت وقت الغداء يا باسل، الظاهر كدا إن حماتك بتحبك.
ثم نظرت لـ حياة بسخرية موجهة إليها الحديث:
-أوبس! آسفة يا حياة، نسيت إن مامتك مش موجودة.
نظر باسل إليها بغضب بعدما أدرك ماتحاول فعله، ليجاوبها ببرود:
-فعلاً مامتها مش موجودة، بس ع الأقل شوفي تربيتها الكويسة! لكن أنتِ فوفا موجودة بس... خلينا ساكتين.
ضحك الجميع على جملته، أما جميلة فضغطت على أسنانها بغضب، ظلت حياة حزينة بعض الشيء، فهي تعلم حقيقة بأن ليست لها أهل، ومن الطبيعي أن تكون قد تأقلمت على هذا، ولكن ذِكر شخص ما لهذا الموضوع بهذه الطريقة، يؤلمها للغاية، وعلى الرغم من ذلك ابتسمت وحاولت إخفاء حزنها، وجلست تطعم نادر بابتسامة وهي تتحدث معه وتمزح معه، ليتحدث توفيق موجهًا حديثه نحو باسل:
-حددت الفرح إمتى يا باسل؟
نظروا إليه الجميع، ثم تحدث باسل يجاوبه:
-لسه محددناش ياجدي.. كنت مستني حياة تخف شويه من الحادثة.
نظر توفيق إلى حياة يسألها:
-وأنتِ بقيتي كويسة ياحياة مش كدا؟
أومأت حياة بصمت، ليومأ توفيق هو الآخر:
-كويس.. حيث كدا الفرح الجمعة الجاية، قدامكم أسبوع بحاله ترتبوا فيه ترتيباتكم وتجهزوا نفسكم، مينفعش البنت تفضل عايشة معانا وهي مش على ذمتك ياباسل! الناس تاكل وشنا.
ليومأ أحمد والد باسل متفق مع حديثه:
-عندك حق ياحج.. فضّي نفسك الأسبوع دا ياباسل لترتيبات الفرح.
أومأ باسل برأسه بصمت، بينما ظلت جميلة تأكل في شفتيها بغيظ، يبدو بأنها ستنفجر حقًا من شدة الغضب!
بعد أن تناولوا الغداء، صعدت حياة مع نادر لغرفته، ساعدته للنوم في فراشه ليرتاح قليلاً، بعدما خرجت من غرفته وجدت باسل أمامها، كان يحك خلف رأسه بتوتر:
-احم.. مش عايزك تزعلي من كلام جميلة الماسخ، هي كدا.. بنت باردة ودمها واقف.
ابتسمت حياة على حديثه:
-ولا يهمك، متشغلنيش أصلاً.
كان ممسكًا بعلبة بيده، كانت علبة هاتف:
-اتفضلي.. جبتلك موبايل علشان لو احتاجتي تكلميني في أي وقت وانا مش موجود! سجلتلك عليه رقمي كمان.
ابتسمت حياة وهي تأخذ منه الهاتف:
-شكرًا ياباسل.
-العفو.. وكمان.. جهزي نفسك بكرا هننزل تختاري الفستان والحاجات اللي هتحتاجيها للفرح.
أومأت حياة برأسها:
-أه ونسيت أقولك! انا روحت النهارده خلصت إجراءات خروجك من الملجأ، يعني دلوقتي أنتِ حرة وتقدري تمشي في أي مكان من غير خوف.
لتضحك حياة بلطافة وهي تجاوبه:
-بجد؟ شكرًا أوي أوي ياباسل بجد.
ابتسمت باسل لابتسامتها ثم أكمل حديثه:
-وكمان في ست قابلتني هناك، قالت إنها اللي هربتك من الملجأ، وقالتلي آخد بالي منك، الظاهر إنها بتحبك أوي.
ابتسمت حياة وهي تتذكرها:
-أيوا فعلاً، هي هربتني من هناك، انا عمري ما هنسى الموقف دا ليها.***
في اليوم التالي جهزت حياة واستعدت للخروج حيث ارتدت بنطال من الجينز، وقميص طويل باللون الأبيض، وتركت شعرها البني ينسدل على كتفيها، ووضعت بعض مساحيق الجمال، التي زادتها جاذبية، صعدت لشقة باسل تطرق الباب ليفتح لها ويصدم من أناقتها، وجمالها الذي لم يلاحظه من قبل، أما هي فاندهشت من وسامته أيضًا حيث لم يرتدي بدلة هذه المرة، بل ارتدى بنطال باللون الأسود، وهودي باللون البُني الذي كان يلائم تمامًا بشرته الداكنة، وكان يرفع شعره للأعلى ظاهرًا لجبهته ووجهه بالكامل، لتحمحم حياة وهي تبتسم:
-انا جاهزة
-تمام، ننزل؟
توقفت حياة قليلاً ثم جاوبته:
-إيه رأيك ناخد نادر معانا؟ أهو على الأقل يتمشى ويغير جو.
أعجب باسل بالفكرة ودخلوا معًا بدّل باسل ملابس نادر، ثم أمسكت حياة بيد نادر ونزلوا للأسفل، اندهش الجميع من الكمياء التي بينهم، لتصفق أشرقت وهي تغمز:
-إيه الشياكة والأناقة دي كلها؟ لايقين على بعض موت.
ابتسمت حياة بخجل، وهي تنزل رأسها، لتأتي أشرقت وتمسك بيد حياة، أما مودة تمسك بذراع أشرقت، فتتحدث مودة بابتسامة:
-يلا إحنا جاهزين.
لينظر إليهم باسل باندهاش:
- يالوز اللوز ! هو انتوا هتشرفوا معانا ولا إيه؟
لتردف أشرقت بمشاغبة:
-أومال يعني؟ مش لازم نجهز للفرح إحنا كمان.
ليبتسم والدها عبد السلام وهو يردف إليها:
-يا بت أنتِ وهي خلوا عندكم شوية دم، هتروحوا معاهم ليه.
لتتحدث حياة بابتسامة:
-مش مشكله ياعمو، أهُم يساعدوني في إختيار الفستان برضو!وبالفعل خرجوا سويًا من المنزل، جلسوا أشرقت ومودة ونادر بالخلف، بينما جعلوا حياة تجلس بجانب باسل، كانت حياة لأول مرة تشعر بهذا الشعور، الذهاب للتسوق مع أصدقا ! كان شعور جديد عليها تمامًا، فحزنت عندما أدركت بأن هناك الكثير من الأشياء التي لم تجربها بعد، بالرغم من إنها إعتيادية جدًا للفتيات في عمرها، أما هي فحُرمت منها بسبب ظروف معيشتها التي كانت بها، ولكنها على الأقل تجرب أحدهم الآن، فابتسمت وهي تنظر من نافذة السيارة، رآها باسل، هو كان لا يعلم لماذا تبتسم، ولكنه ابتسم لأجل ابتسامتها تلك.
عند وصولهم للمول، دخلوا ليشترون فستان الزفاف، فظلوا يختارون بين أحدهم والآخر، حتى أختاروا واحدًا، كان يشبه فساتين الأميرات، وبالفعل قامت حياة بتجربته، وخرجت إليهم كانوا مندهشين من جمالها بهذا الفستان، فابتسم نادر تلقائيًا وصفق بلطافة، ثم أبدوا الفتيات إعجابهم الشديد بالفستان، فعندما نظرت ل باسل لتأخذ رأيه، رآته شارد فقط ويبتسم، خجلت قليلاً من هذه النظرة، ثم لملم الآخر شتات نفسه وهو يجاوبها:
-حلو !
وبالفعل أخذوه، ووضعه باسل بسيارته، ثم صعدوا ثانيًا ليكملوا بقية التسوق، كان باسل قد تعب بالفعل مع هؤلاء الفتيات، كانت أشرقت تريد التجول للبحث عن لون مانيكير معين، ليقف باسل بضجر وهو يحدثهم:
-انا تعبت ! مش هقدر ألف المول من أوله لآخره تاني روحوا انتم وانا هستناكم هنا.
لتضحك مودة وهي تجاوبه:
-طيب هنروح نجيب اللي ناقص ونجيلكم خليكم هنا !
ذهبوا مودة وأشرقت، أما باسل ونادر وحياة، فجلسوا في أحدى الكافيهات يرتاحون قليلاً.. فكانوا جالسين يشربون بعض المشروبات الباردة، بينما تربت حياة على رأس نادر بينما يحتسي العصير الخاص به، لتجد باسل ينظر لها ويضيق عيناه، فاستغربت حياة وسألته باستغراب:
-بتبص لي كدا لي؟
-تعرفي إن أنتِ مجنونة؟
اندهشت حياة من حديثه ثم سألته:
-اشمعنا؟
-أنتِ إزاي أي شخص يطلع قدامك كدا تطلبي منه أنه يتجوزك؟ إفرضي انا كنت شخص وحش أو مؤذي؟ أو كنت هخليكِ تطلعي من جحيم وتعيشي معايا في جحيم تاني.
لتبتسم حياة على حديثه ثم تجاوبه:
-مستحيل! طريقة كلامك وقتها لمراتك الله يرحمها، والحنية اللي حسيتها في صوتك، عرفتني إنك شخص طيب وقلبك أبيض، ولو طلبت منك المساعدة مش هترفض.
خجل باسل قليلاً من حديثها عنه، ثم حمحم وهو يجاوبها:
-بتفهمي برضو.
ضحكت حياة على جملته، لتتحول ملامحه إلى ملامح جادة:
-فرحانه إننا هنتجوز؟ مش زعلانه لأنك حابة إنك كنتي لما تفكري تتجوزي، تتجوزي شخص بيحبك وبتحبيه، مش تتجوزي بالطريقة اللي هنتجوز بيها !
نفت حياة برأسها ثم جاوبته:
-انا بعترف إن فكرة جوازنا غريبة، وجت بطريقة أغرب، وإننا مش هنكون زي أي زوجين عاديين، بس بالرغم من كدا انا مش زعلانه خالص، بالعكس، البنت لما بتفكر تتجوز بتتجوز شخص حست معاه بالحنان والسعادة، وعشان كدا بتحبه، وانا نفس الفكرة! حسيت معاك ومع عيلتك بحنان عمري ماحسيته، وبسعادة عمرها مادخلت قلبي، ف هعوز إيه أكتر من كدا؟ أحيانًا مش بيكون كل حاجه الحب، في حاجات أهم.
أنت تقرأ
لأنها حياة
Romance"تهيج أمواج الحياة لتدفع بفتاة مسكينة ظلّت تعاني طيلة حياتها في ملجأ تُعذَّب به، ثم قررت أن تحرر نفسها من هذا السجن الشنيع الذي لا يوجد طريقه للهروب منه سوى بالزواج، فتلتقي بشخصٌ بمحض الصدفة يكون هو أملها الوحيد، فهل سيقبل هذا الشخص بإقتراحها؟" رنَ...