الفصل السابع.

117 3 0
                                    

(الفصل السابع)

غضبت جميلة من حديث باسل، ولكنها ابتسمت سريعًا تحاول أن تخفي غضبها:
-وماله يا إبن عمي  !
أنهت جملتها ومازالت تبتسم، أما بداخلها فكانت تتحدث ونيتها مليئة بالسوء:
-مترجعش تزعل من اللي هعمله بقا  !

***

في اليوم التالي كانت العائلة تستعد لاستقبال خالة باسل وأولادها، إنهم قادمون من مطروح ليحضرون حفل الزفاف، سيقيمون معهم حتى يوم الزفاف، ثم سيعودوا، فعند وصولهم خرج الجميع يستقبلهم ويرحب بهم، كانت خالة باسل في الخمسينات من عمرها، كانت تدعى شادية، وكانت لديها أبنين، إبنها الأكبر حسن وكان محامي، وشقيقته الصغرى غرام، وكانت 19 عام، ووالدهم صابر، فرّحبوا بحياة كثيرًا وبدأوا يتحدثون معها ويتعرفون عليها، لتتحدث شادية بابتسامة واسعة على وجهها البشوش:
-بالله.. انا أول ماسمعت إن باسل هيتجوز، مكنتش مصدقة وداني، طِرت من الفرحة، بالذات لما شوفتك دلوقتي، ولاقيتك بنت طيبه ومحترمة، وهادية، وباسل إبن حلال ويستاهل كل خير، خدي بالك منه هو ونادر يا يويو  !
ابتسمت حياة على مناداتها لها ب "يويو" فجاوبتها بسعادة:
-في عنيا ياخالتو متقلقيش !
على الجانب الآخر كان حسن يجلس قريبًا من جميلة، فسألها بابتسامة:
-أخبارك إيه ياجميلة؟ وإيه أخبار الجامعة.
لتتنهد جميلة بضيق وهي تجاوبه:
-كله كويس ياحسن الحمدلله، أنت عامل إيه!؟
-تمام الحمدلله  ، مشغول شويه في كذا قضية اليومين دول، بس الدنيا ماشيه.
أومأت جميلة بصمت، أما حسن فظل ينظر لها بابتسامة، فهو معجب بها منذ زمن طويل،
فحقًا إن القلوب تِلك غريبة، عندما تتعلق بشخص، تمحي كل البقية، حتى ولو كان منهم يحبنا ويقدّرنا، أكثر من الشخص الذي نحبه!

***

في المساء كانت حياة تجلس في غرفتها، لتتلقى مكالمة من رقم غريب، فتقبل المكالمة باستغراب:
-ألو؟ مين؟
ليجاوبها رجل:
-حياة؟
-أيوا، انا حياة، مين أنت!؟
-انا فاعل خير، وعايز أوصلك لأهلك.
لتعقد حياة حاجبيها وتحزن عند سماعها لسيرة أهلها:
-أهلي؟ وهما فين أهلي؟
-موجودين معايا، عايزين يشوفوكي، ويتأسفولك، ويعوضوكي عن اللي فات، لو عايزة تشوفيهم تعالي في (***).
أنهى الشخص المكالمة، أما حياة فظلت جالسة بشرود، ونهضت بعدما قررت الذهاب، في الجانب الآخر نفس الشخص اتصل بجميلة، يخبرها بأنه نفذ الكلام بالحرف.

خرجت حياة من المنزل متجهه نحو المكان الذي أخبرها به، لتجد أمامها باسل يخرج من سيارته، ليسألها باندهاش:
-حياة.. رايحة فين في الوقت دا  !
-شخص كلمني وقالي إن أهلي موجودين عنده وعايزين يشوفوني!
عقد باسل حاجبيه باستغراب ثم سألها:
-شخص مين؟ وأهلك إزاي؟
نفت حياة برأسها ثم أردفت إليه:
-مش عارفه ياباسل! بس هو اداني العنوان دا.
-طيب تعالي نروح.
وبالفعل صعدوا بسيارته متجهين نحو هذا العنوان، كان كلما يقترب باسل بالسيارة يجد المكان يصبح ظلام أكثر، وأكثر هدوءًا، حتى وصلوا إلى العنوان بالظبط، وكانت عبارة عن ساحة كبيرة لمبنى مهجور ومظلم، ظلوا ينظرون للمكان باستغراب، وكانوا يشعرون بشعور غريب، لتفزع حياة بهاتفها الذي يرن:
-ألو؟
ليسألها نفس الشخص:
-وصلتي؟
-أيوا، بس إيه المكان الغريب دا؟
....
-ألو؟ ألو؟
أغلق الآخر المكالمة، ثم من يظهر أمامهم شخص ملثم، يخفي وجهه، وبيده سكين حاد، عندما رآه باسل أمسك حياة من يدها ووضعها وراء ظهره، بعدما أدرك بأن كل ذلك كان فخ لها:
-أنت مين وعايز إيه؟
سأله باسل بنبرة حادّة، ليتحدث الآخر وهو يقترب شيءٌ في شيء:
-ولا أي حاجة، غير روح الكتكوتة اللي وراك!
-مين اللي باعتك!
-مش شغلك.
بعدما جاوبه هذا الشخص بدأ بالهجوم عليهم بالسكين، فدخل باسل في شجار معه، أما حياة فكانت تقف مصدومة مما تراه، وخائفة، خصوصًا بعدما رآت يد باسل تنزف فهو قد أصاب بالفعل، وفي لحظة سريعة، أمسك باسل بيد هذا الشخص الموجود بها السكين ووجّهها نحو قلبه، ليقع الآخر يلفظ أنفاسه الآخيرة وسط دماؤه، فاقترب باسل نحو حياة التي كانت تبكي وترتجف:
-أنتِ كويسة؟
أومأت حياة برأسها بصمت ثم أمسكت بيده التي تنزف، لم يكن الجرح كبير، ولكنه كان عميق، وينزف بشدة، ليفلت باسل يده وهو يبتسم محاولاً بتهدئتها:
-متخافيش، دا جرح صغير.

***

في المستشفى كان إياد واقفًا مع حياة خارج الغرفة التي يعقم بها باسل جرحه، ليسألها إياد بينما يقف معهم أحد الضباط:
-يعني متأكدة ياحياة إن مالكيش أي أعداء؟
أومأت حياة برأسها:
-أيوا.
ليسأل الضابط إياد:
-وبالنسبة لباسل يا إياد؟ هو رجل أعمال معروف، وأكيد ليه أعداء كتير.
ليومأ إياد هو الآخر:
-أيوا بالظبط.. مش بعيد اللي عمل كدا يكون حد من أعداء باسل.

ليخرج الطبيب من الغرفة ويسأله إياد بقلق:
-إيه الأخبار يادكتور؟
-الحمدلله جت سليمة، 4 غرز صغيرين مش هياخدوا وقت علشان يتلموا بإذن الله أهم حاجة ميحركش إيده كتير.
إستمعت حياة للحديث، وبعد مغادرة الطبيب،  دخلوا حياة والضابط وإياد لباسل، ليتحدث إياد بمزاح:
-ياضنايا يابني  !! مكنش يومك ياعريس.
ليقلب باسل عيناه بضجر وهو يعتدل في جلسته، ثم يبدأ الضابط بإستجوابه، وبعد الإنتهاء أومأ الضابط برأسه ثم أردف إليه:
-من الواضح طبعًا إن الشخص دا مكنش عايز يأذي حياة منه لنفسه، أكيد حد باعته، وبما إنه توفى، فكرة إننا نوصل للشخص دا صعب، بس بإذن الله هنوصل للي كان باعته.
إستأذن الضابط وغادر، وغادر معه إياد، لدفع تكاليف المستشفى، أما حياة فتحدثت بإحراج:
-ألف سلامة عليك  !  و... انا آسفة علشان أنت أتأذيت بسببي  !
ابتسم باسل وهو يجاوبها:
-متتآسفيش، بالعكس دا انا اللي مفروض أتآسفلك علشان كان ممكن تتأذي بسببي لو مكنتش لحقتك وقتها وجيت معاكي، انا ليا أعداء كتير، ومتأكد إن اللي عمل كل الحوار دا حد عايز يدمرلي حياتي.

تنهدت حياة ونظرت بالأسفل من إحراجها، ثم بعد دقائق أتى إياد واصطحبهم إلى منزل باسل، عند دخولهم، تفاجئ الجميع من إصابة باسل، وكانوا قلقين عليه، ولكن طمئنهم باسل عليه، وحكى لهم ما حدث.
لتسأل جميلة بتوتر:
-و... والشخص اللي عمل كدا، إتمسك؟
كانت تسأل خائفة من إنه يفتن عليها لو ضغطت عليه الشرطة:
-لا.. مات.
جاوبها إياد بتلقائية، لتضغط جميلة على أسنانها، هذا الغبي! حسنًا كنت مُت ولكن بعدما تخلصني من هذه المصيبة المدعوة حياة!
هذا ماقالته جميلة في نفسها، ليكمل إياد حديثه:
-باسل اضطر إنه يوجّه السلاح عليه ويقتله،  لإما كان هيخلص عليه هو وحياة، وحسبوها دفاع عن النفس.
لتتقدم شادية نحو حياة تمسك بيدها:
-طمنيني عليكي ياحبيبتي أنتِ كويسة؟ أكيد مخضوضة من اللي حصل.
لتبتسم حياة ابتسامة بسيطة وهي تجاوبها:
-انا كويسة ياخالتو متقلقيش!
لتتحدث ثرية موجهة حديثها نحو حياة:
-اطلعي ياحبيبتي غيري هدومك وارتاحي شوية، وأنت كمان ياباسل، اطلع ارتاح شوية.
-تمام، عن إذنكم.
قالتها حياة بابتسامة قبل أن تتجه نحو غرفتها.

***

دخلت إلى غرفتها ترتمي بجسدها على الفراش، بجسد ثقيل، وقلب أثقل، ماذا لو لم تسمع كلام هذا الشخص وتذهب مع باسل؟ كان لن يتأذى باسل بسببها، لماذا سمعت كلامه من الأساس؟ لماذا تتشوق لرؤية أهلها الذي رموها في الملجأ منذ أن كانت طفلة مولودة، لقد خُدعت بالفعل بحديثه، لماذا سيبحثون عنها بعد كل هذا العمر؟  :
-غبية  !
قالتها لنفسها قبل أن تتجه نحو المرحاض تأخذ حمامًا باردًا. 

لأنها حياة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن