الفصل الواحد وعشرون.

88 2 0
                                    

(الفصل الواحد وعشرون)

فصل باسل العناق، وجعلها تنظر إليه ثم أمسك وجهها الصغير بكلتا يديه:
-حصل إيه؟ 
ابتسمت حياة بتوتر ثم جاوبته:
- ولا حاجه، كنت محتاجه شوية طاقة  !
ابتسم باسل باستغراب:
-طاقة؟
رمشت حياة بخجل ثم أزالت يده، وذهبت وراؤه، لتيقظ نادر، أما الآخر فمازال واقفًا  مندهش من فعلتها وكلامها، ظنها بأنها قد جنّت تمامًا.

نزلوا للأسفل معًا، لتتحدث مي بابتسامة موجهة حديثها نحو باسل:
-حبيبي.. هتيجي معايا النهاردة عند الدكتور؟
ليصمت باسل قليلاً ثم يتحدث:
-للأسف انا مش فاضي خالص النهارده يا مي خدي مودة أو أشرقت أو جميلة.
لتتلاشى ابتسامة مي قبل أن تومأ برأسها بصمت، ثم لاحظوا حياة تمسك برأسها بتألم، ليسألها الجميع عن السبب:
-مش عارفة، بقالي فترة بدوخ جدًا وبيجيلي صداع جامد في دماغي فاجأة.
ليقلق باسل ثم يتحدث بخوف:
- تحبي نروح نكشف؟
نظرت إليه مي بصدمة وغضب، ألم يقل الآن بأنه سيكون مشغول للغاية للذهاب معها للطبيب؟
لتنفي حياة بابتسامة:
-لأ مالوش لزوم نكشف، أكيد شوية صداع مش أكتر.
صمت باسل ومازال يشعر بالقلق عليها.
وبعد مدة قصيرة ذهب هو للعمل، أما حياة فظلت مع نادر تلعب معه رغم مازالت تشعر بالتعب، ولكنها وفاجأة، تقع مغشي عليها، عندما يرى نادر هذا ويستمع للضجيج الذي حدث عندما التموا حولها يحاولون إفاقتها، جاءته النوبة، وبما إن كان الجميع مشغول مع حياة، ووالدته في غرفتها، لاحظته جميلة، وفورًا ركضت نحوه وفعلت كما تفعل حياة، واحتضنته من الخلف بقوة، حتى هدأ، عندما هدأ أمسك بيد جميلة بقوة، لأنه لأول مره يشعر بهذا الحنان منها، ويكون صادق، وليست فقط تتظاهر لأجل باسل، لم يستطاعوا إفاقة حياة، على الفور أخذوها للمستشفى، وذهب معها الجميع، وظلت أشرقت وجميلة مع نادر، عندما أخبروا باسل، ترك كل شيء واتجه بسيارته نحو المستشفى بقلق وذعر، عندما ذهب نحو الغرفة الموجودة بها، رآى العائلة ولكن لم يراها، لتخبره حبيبة زوجة عمه محاولة أن تهدأه:
-هي في أوضة الإشاعات ياحبيبي، دلوقتي الدكتور يجي ويطمننا، متقلقش إن شاء الله خير  !!

جلس باسل بتوتر، وبعد مدة جاء الطبيب إليهم ومعه الإشاعة، ليقف الجميع يسألونه بقلق:
-خير يادكتور؟
تنهد الطبيب وهو يعطيهم الإشاعة الطبية:
- للأسف، ظهر في الإشاعة إن عندها ورم خبيث في المخ، حالتها متأخرة  .. و..
صمت الطبيب عندما لاحظ صدمتهم، ليسألوا باسل بتلعثم:
-و إيه؟
-وقدامها للأسف على الأقل 4 شهور بس تعيشهم، ويمكن أقل، ولكن في حل  ! ممكن تعمل عملية إستئصال للورم دا، بس إحتمالية نجاح العملية 5 في المية بس.

تركهم الطبيب وغادر، أما باسل فمازال يقف غير مستوعب ما إستمع إليه للتو، والبقية في حالة إنهيار تام، يبكون بشدة، جلس باسل على المقعد بعيون باكية دون أن يتفوه بكلمة واحدة، لتأتي إليه ثرية وهي تبكي وتربت على ظهره:
-فوّض أمرك لله ياحبيبي، الدكتور قال إن العملية ممكن تنجح، إن شاء الله هتنجح  !
ظل باسل يبكي في صمت، ثم أخبرتهم الممرضة بأنهم وضعوها في غرفة أخرى تتلقى العلاج، فأخبرته والدته أن يذهب إليها أولاً، وبالفعل وقف بجسد ثقيل وعقل مشتت، ومشى وراء الممرضة، حتى وصل لغرفتها، دخل ليجدها معلقه محلول بيدها، وجالسة على الفراش بصمت، على مايبدو بأنها علمت كل شيء من الطبيب، فلاحظت باسل الذي يجلس أمامها على الفراش بحزن:
-هموت ياباسل؟
نظر إليها باسل مسرعًا، مازالت الدموع تنهمر على وجنتاه، لم يردف إليها ولكنه عانقها بشدة وظل يبكي ك طفل صغير في أحضان والدته، كما هي أيضًا بكت بكل طاقتها، كانت تحزن على حالها كثيرًا، فهي عاشت حياة صعبة، ورآت الكثير من العذاب، وتعذبت بما فيه الكفاية، موتها بتلك الطريقة المآساوية كانت فكرة تجعل قلبها يتمزق أشلاء، فصل باسل العناق ثم مسح دموعه ودموعها:
-الدكتور قال إنك هتعملي عملية، وإن شاء الله هتبقي كويسه!!
نظرت إليه حياة بحزن:
-بس برضو قال إن نسبة نجاحها 5 في المية  !! يعني مش متأكد إنها هتنجح.
تنهد باسل ثم جاوبها:
- الله أعلم ياحياة  !! إن شاء الله ربنا هيقف جنبك، ويقومك بالسلامه، لنادر وللعيلة  .. وليا  !
نظرت إليه حياة طويلاً دون أن تتحدث، بعدما تلقت العلاج، عادوا معًا للمنزل، وأخبروا البقية بمرضها، ظلوا أشرقت وجميلة يبكوا بشدة وهُم يحتضنوها، لتضربهم ثرية بمزاح بعدما مسحت دموعها:
-بس يابت أنتِ وهي  !! بلاش أڤورة، حياة هتعمل العملية وهتقوم لنا بألف سلامة.
في الزاوية كانت تجلس مي، تنظر إليهم بسخرية وسعادة معًا:
-عيلة أوڤر طول عمركم  !!
تمتمت بهدوء.

لتقف حياة بتعب:
-انا هطلع آخد دش وانام شويه علشان تعبانة  .. عن إذنكم
تركها الجميع تذهب وظلوا يدعوا لها بالشفاء.
كانت متماسكة حتى دخلت غرفتها وأغلقت الباب، فانهارت كجبل من الورق صافحهُ بعض نسمات الرياح، شعرت من شدة حزنها بأنها كومة من التُراب، ينفُضها الهواء بعيدًا.
دخلت للمرحاض تأخذ حمامًا باردًا، ثم خرجت تجفف شعرها، وارتمت بعدها بجسدها على الفراش، تنظر طويلاً لسقف غرفتها، لتستمع لطرقات الباب، تفتح لتتفاجئ بأنه باسل، سمحت له بالدخول، ثم غلق الباب وراؤه:
-عاملة إيه دلوقتي؟
قالها وهو يجلس بجانبها على حافة السرير، لتجاوبه بابتسامة:
-الحمدلله.. كويسة.
ليزيل خصلات شعرها عن وجهها، ويضعها وراء أذنها، ثم يتحدث بنبرة مليئة بالحنان:
-متخافيش  ! هتبقي كويسة.
أومأت هي بابتسامة:
-إن شاء الله .

ليعانقها بشدة كما هي بادلته العناق، شعرت حينها بطمأنينه لم تشعر مثلها من قبل، بعد دقيقتين تقريبًا حاولت فصل العناق ولكنه لم يدعها، لتناديه باستغراب:
-باسل؟
-انا بحبك ياحياة  !
شعرت هي حينها بأن خافقها يترك ضلوعها ويحلّق نحو علياء السماء، وكأنه طير تعلم الرفرفة للتو، ابتسمت وهي تجاوبه، بينما مازال يحتضنها:
-بتقول لي كدا علشان هموت؟
نفى برأسه قبل أن يجاوبها:
-لأ  .. بقولك كدا علشان انا اللي هموت لو مقولتهاش.
ظلت صامته قليلاً قبل أن تعترف له هي الأخرى:
- انا كمان بحبك  .. بحبك أوي  !
ابتسم الأخر بشدة، قبل أن تبعده حياة وتقف بتوتر:
- إيه مش هتروح تنام ولا إيه؟
ابتسم باسل وهو يقف أمامها:
-أروح فين؟ في واحده تطرد جوزها من أوضتهم؟
نظرت إليه حياة بدهشة:
-ها؟
ضحك باسل بصمت على لطافتها، ثم عاود عناقها مرة أخرى، وكأنه لا يريد الإبتعاد عنها، خوفًا وكأنها ستهرب.

كان خارج الغرفة، مي، تستمع لحديثهم بقهر.
ذهبت لغرفتها تغلق الباب وراءها بشدة وهي تبكي بغضب.

في صباح اليوم التالي استيقظت حياة أولاً وجدته مازال نائم، يأخذها في أحضانه بإحكام.
لتبتسم على لطافته، وتتوسع إبتسامتها عند تذكرها لإعترافه لها بالأمس بحبهُ لها.

نزلت مي للجميع ليسألوها عن باسل، لتجاوبهم بابتسامة مصطنعة:
-لسه نايم هو وحياة..مرضتش أخبط عليهم أصحيهم
لينظروا الجميع لها بدهشة وابتسامة معًا، فهُم يعلموا بأن علاقة باسل وحياة كانت غير طبيعية قليلاً، ولكنهم سعيدين بهذا التطور بينهم.

***

في الغرفة استيقظ باسل ودخل للمرحاض ليأخذ حمامًا، عند خروجه وعندما كان يجفف شعره، تحدثت حياة وهي تنظر إليه:
-باسل؟
نظر إليها الأخر بابتسامة:
-نعم؟
-انا عايزة أدور على أهلي  !

لأنها حياة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن