عروس الشيطان ~

الفصل الثالث و الثلاثون:- الأمدِيَّة

صوتُ تنفسه جعل يعلو و يعلو في هلع .. واقفاً وسط الحجرة لا يجد زاويةً تؤيه بحصونها و تحميه من الأصواتِ الصاخبة التي تدب في رأسه ..

اصواتُ عائلته الحبيبة التي تلومهُ على كلِّ ما حصل ...

ما يزال حتى بعد مرور عشر سنوات يرفض تصديق انّ خيارهُ كان صحيحاً .. و رغم جمود ملامحه و انفاسه العميقة البطيئة ما في داخله كان يغلي و يحترق مسبباً رماداً في ما تبقى من قلعته .. إن تبقى منها شيء اصلاً ..

قلعتهُ انهارت و منزلهُ تدمر من اليوم الذي توارت فيه جميع الشموع و لم تبقَ إلا اعواد الكبريت ... شمعتهُ الأولى انطفئت ، شمعتهُ الثانية غادرت مع الأولى بعيداً ، و شمعتهُ الثالثة احترق فتيلُها ..

فوقف في حجرته يفكر في عجزه ، اجتاحهُ شعورٌ بالإشمئزاز تجاه ذاته اثر انّهُ فشل فشلاً ذريعاً في حماية بناتهِ ...

ما مقدار جزع آيرس و خوفها و هي تجعلُ زوجها اكبر مخاوفِها ؟ كيف عاشت معهُ سنواتٍ طوال و هي ترتجف من نظراتهِ فقط ؟.. من المفترض ان يكون الحصن الحامي لهُنَّ .. لقد حاول كلّ جهدهِ ان لا يمسهنّ سوءٌ و هو موجود .. فكيفَ آل الأمر لدمار كلِّ شيء ..؟!

عشرُ سنوات .....

عشرُ سنوات دونَ ان تخمد نيرانُ كُرهه لذاته .. دونَ ان يغفل عن تفصيل واحد في حياتهن .... موتُ روزاريتا كان اكبر خطأ ارتكبه و لن يتكرر ..

انتحارُها وسط ليلة سوداء لا نور فيها من حجرة امها ... لذا هو اغلق الجناح و منع اولادهُ منعاً باتّاً من دخوله ...

وسط تخبُطه في افكاره و صراعاته القاسية ، كُرهه لذاتهِ و لوم ضميره له على كلّ خدشٍ اصابَ قلوب اولاده ... طُرق بابُ حُجرته ...

ارتفعت عيون لانسيل نحو الباب فقال بنبرة خالية:- أدخل ..

من دخلَ كان ابنهُ الأصغر جوهان ، بملامح الخواء على وجهه و في يدهِ تقرير ورقي محاط بحافظ جلدي ... اغلق الباب خلفه و وقف عندَ عتبته دون قول كلمة

لانسيل لم يتوقع هذه الزيارة ، كما انّ جوهان لا ينفك عن تذكيرهِ بذاتهِ السابقة و هو لا ينحني حتى لوالدهِ الامبراطور ..
و لسببٍ ما تملك الأب بعض الإشمئزاز اثناء تذكره لنفسه في السابق ، و هُناك هو اظهر بسمة خزي على ملامحه .. حيثُ باتَ يكرهُ رؤية ذاته في ابناءه و يتذكر افعاله البشعة فكيف بآيرس ، يفهم سبب كُرهها لرؤية ابناءها يصبحون نسخاً منه رويداً .. فهو ذاتهُ باتَ يكره الامر ..

جوهان حمل الملف للأعلى فقال بنبرة خالية تُشبه ملامحهُ التي لا تُعطي اي تفسيراً عن مشاعره الحالية:- تقرير ميزانية الحرس الملكي ... لا أعرف كيف أتعامل معه بنفسي ، كان وليام يُساعدني فيه لكنّهُ غير موجود ... أَتُعينُنِي ..؟