كنت أنظر بشرود إلى الطبق أمامي، وكأنني أبحث فيه عن أجوبة لأسئلة لم أجرؤ على طرحها بصوت عالٍ. الخضار مرتبة بدقة كلوحة لم تكتمل، لم أكن أرغب في تناولها، بل كنتُ أقلبها برفق، أراقب حركة الملعقة بين قطع الجزر والأرزّ.
عقلي كان مشغولاً بشيء آخر، بتلك الأحداث المتتالية التي جلبتني إلى هذا المكان،لما طلب آلدو من الكلّ الحضور في وقت الغداء؟فڤاليريو، منذ اللحظة الأولى التي فتحتُ فيها عيني، كان هناك في غرفته، التي كنت أنام فيها،فوق سريره بينما هو يقرأ أحدى المستندات فوق مكتبه،و للحظة ظننت أنني أتخيّله،لكن للأسف كان أول ما أفتح عيناي عليه،هو ڤاليريو الذي لم أنجى من سخريته المعتادة و كأنه عاد من الموت ليزيد حياتي سوءاً .
لدرجة أنني ظللت أنظر له بصدمة لدقيقتين بعد أن سألته ماذا يفعل في الغرفة و بأي صفة يدخل للغرفة و أنا نائمة بها و أجابني بأنّه الحارس الذي ينتظر استيقاظي ليخبرني أن الجميع ينتظرون حضرتي ،أن والده يريد الكل مجتمعًا اليوم حتى من والداي.لم أستطع لحظتها تجاهل شعور غريب بالانزعاج، كان يتسلل إليّ مع كل كلمة خرجت من شفتيه لحضتها فأنا لا أفهم إصرار آلدو المريب للزوج من إيثان،هو حتى لم يكن مسروراً بفكرة زواجي من ڤاليريو على ما أذكر فأنا لا أزال في نفس النقطة، لا أستطيع تذكّر الأحداث التي حذفت من ذاكرتي للآن،للآن لا أتذكر كل لحظاتي مع ڤاليريو،لا أستطيع تذكّر ملامح أختي الراحلة، لا أستطيع تذكر الكثير و الكثير...
و حتى تلك اللحظة حين أضاف بأن والداي قد حضرا، وما زاد الأمر غرابة، تلك المرأة التي لطالما أطلقتُ عليها لقب الأفعى، زوجة أبي،إستغربت من الأمر فأنا لا أجد ضرورةً لحضورها رغم أنها زوجة ألي لكنّها لا تقربني بصلة،و لسوء الحظ قد أتت.
كانت تجلس على الطاولة نفسها، قريبة بما يكفي لأحس بوجودها، ولكن بعيدةً بما يكفي لألا أضطر إلى محادثتها فقد جلست بجانب إلينا، التي كانت هادئة كعادتها، تغرق في صمتها العميق.
ظللت غارقة في تلك الأفكار التي تراكمت كغبارٍ ناعم على أطراف ذهني، حتى أتى صوت طرقات الكعب على الأرضية الرخامية، يفصلني عن أفكاري،أتى كجرسٍ يرنّ في أذني، أيقظني من تلك الدوامة.
فرفعت رأسي ببطء، وفي اللحظة التي لامست فيها عيناي الدرج، كان هو ينزل، بخطوات واثقة، متأنية، تُشبه إلى حدٍ كبير تلك الثقة التي يظهرها دائمًا، وكأن كل خطوة محسوبة بعناية و ماريا كانت تتبعه، وكأنها ظله، ولكن ظلاً يبدو وكأنه يخشى أن يختفي في ضوء حضوره.
شعرت بأن نظراته تلتقي بي فورًا، كأنّه كان يعرف مسبقًا أين سأكون.
لم يحاول حتى أن يزيح عينيه عني،رغم أن والده كان ينظر له بالفعل كما فعل الكل في هذه القاعة،فاضطررتُ أنا إلى أن أخفض نظري نحو الطبق مجددًا، هاربةً من تلك المواجهة الصامتة التي لم أرغب فيها، ولكنها فرضت نفسها عليّ.
أنت تقرأ
ذكريات منسية
Mystery / Thrillerبعد مرور السنوات، ظلّت ذكرى واحدة تأبى أن تتلاشَى من قلبها. تِلك الرائحة التي لم يكن بوسعِها أن تنساها، ونبرته الرجولية العميقة التي كانت تعزف في داخِلها كسمفونية يونانية عريقة، تعيدها إلى لَحظات مضت. هل أنت مستعدٌّ لاختراق هذا العَالم؟ عالمٌ مليء ب...