الفصل الاول: الوصول إلى ريدلي

9 2 1
                                    

الوصول إلى ريدلي

في الصباح الباكر، كانت سيارة المحقق **جاكوب مارتن** تشق طريقها بصعوبة عبر الضباب الكثيف المتصاعد من الجبال. الهواء البارد كان يلف المكان، والممر المتعرج الذي يقود إلى مركز "ريدلي" للأبحاث النفسية بدا كأنه ممر نحو المجهول. كلما اقترب جاكوب من المبنى، كان يشعر بأن الأجواء تتغير شيئًا فشيئًا، وكأن الطبيعة نفسها تهمس بتحذيرات خفية.

كانت قضية اختفاء **إدوارد كينغستون**، التي أتت به إلى هذا المكان، هي القضية التي ظلت تؤرقه لأسابيع. ملف قديم، أُغلق منذ سنوات، دون أن تُحلّ ألغازُه. شاب دخل إلى المركز بحثًا عن علاج لحالة نفسية غامضة، لكنه لم يخرج أبدًا. اختفى بدون أي أثر، تاركًا وراءه أسئلة بلا إجابات. والآن، بعد إصرار عائلته، كان على جاكوب أن يفتح هذا الملف مجددًا.

وصلت السيارة أخيرًا إلى بوابة المركز المعدنية الكبيرة. كان المبنى الزجاجي المرتفع أمامه يبدو كأنه يطل على وادٍ من العزلة، تحيط به الأشجار الصنوبرية الكثيفة. أوقف جاكوب السيارة ونزل منها، فيما كان الضباب يلتف حوله كستار خفي. شعر بقشعريرة خفيفة، ولكنه تجاهلها. سار نحو البوابة وضغط على زر الاتصال.

مرَّت لحظات من الصمت قبل أن يأتي صوت هادئ عبر السماعة، صوت يحمل نبرة رسمية باردة: "من المتحدث؟"

"جاكوب مارتن، محقق خاص. أتيت للتحقيق في قضية إدوارد كينغستون."

لم يكن هناك رد فوري. توقف الصوت لفترة قصيرة، ثم سمع جاكوب صوت فتح البوابة ببطء، وكأنها تفتح على عالم مغلق لسنوات. سار بخطى ثابتة نحو المدخل، متأملًا المبنى الذي بدا حديثًا من الخارج، ولكنه يخفي داخله شيئًا قديمًا، ربما أكثر مما يراه العين.

استقبله **الدكتور توماس ميلر** عند الباب الرئيسي. كان ميلر رجلاً طويل القامة، يرتدي معطفًا أبيض ناصعًا ويضع نظارات طبية على وجهه الشاحب. بدا هادئًا بشكل مثير للريبة، وكأنه تعود على مواجهة المحققين والغرباء.

"أهلًا بك في مركز ريدلي، السيد مارتن. سمعت عن قدومك. نحن هنا لمساعدتك في أي شيء تحتاجه."

كان صوت الدكتور ميلر يحمل نوعًا من البرود الميكانيكي، كما لو أن الكلمات خرجت دون أن تحمل مشاعر حقيقية. أومأ جاكوب برأسه، لكنه ظل يراقب كل حركة وكل تعبير يظهر على وجه مدير المركز.

"أريد أن أبدأ بمراجعة الملفات المتعلقة بإدوارد كينغستون، وأفضل أن أرى الغرفة التي كان يقيم فيها أيضًا." قال جاكوب بصوت هادئ لكنه حازم. لم يكن يريد إضاعة الوقت في المجاملات.

"بالطبع. سأرافقك بنفسي في جولة قصيرة حول المركز. ربما يساعدك ذلك في تكوين فكرة عامة عن المكان." قال ميلر، ثم أشار لجاكوب ليتبعه.

سار الاثنان عبر ممرات طويلة مضاءة بإضاءة فلورية بيضاء، كانت الجدران ناصعة كالجليد، وخالية من أي زينة أو لوحات. بدا المكان بلا روح، وكأنه مجرد هيكل طبي بلا حياة. كل باب يمرون به كان يحمل رقمًا، لا أسماء ولا أي تفاصيل تشير إلى هوية المرضى أو الغرف.

"كم عدد المرضى هنا الآن؟" سأل جاكوب وهو ينظر حوله محاولًا فك رموز هذا المكان الصامت.

"حاليًا لدينا حوالي خمسين مريضًا، كلهم يخضعون لعلاج مكثف تحت إشراف فريق متخصص من الأطباء النفسيين والممرضين. نعالج حالات معقدة تتطلب مراقبة وعناية مستمرة." أجاب الدكتور ميلر بنفس البرود، دون أن يعطي الكثير من التفاصيل.

استمروا في السير حتى وصلوا إلى جناح مغلق في نهاية الممر. أشار الدكتور ميلر إلى باب معين وقال: "هذه كانت غرفة إدوارد كينغستون."

توقف جاكوب أمام الباب لبرهة، أخذ نفسًا عميقًا، ثم فتحه ودخل. كانت الغرفة بسيطة، تحتوي على سرير معدني، طاولة صغيرة، وكرسي خشبي. النوافذ كانت مغلقة بإحكام، ولم تكن هناك أي إشارات تدل على أن أحدًا قد عاش هنا منذ سنوات.

"تم تفتيش الغرفة عدة مرات بعد اختفائه، ولم نجد أي شيء غير طبيعي." قال الدكتور ميلر، وهو يقف عند المدخل يراقب جاكوب.

تجول جاكوب في الغرفة، باحثًا بعينيه عن أي شيء قد يكون غُفل عنه في السابق. كان يعلم أن الأمور التي تبدو عادية قد تحمل في طياتها أسرارًا دفينة. اقترب من الطاولة الصغيرة، ثم نظر أسفل السرير، ثم باتجاه الخزانة، لكنها كانت خالية تمامًا.

"هل يمكنني الاطلاع على ملفه الطبي وتفاصيل الأيام الأخيرة قبل اختفائه؟" سأل جاكوب.

"بالتأكيد. سأطلب من الممرضة **جيسيكا رايت** أن تحضر لك الملفات. هي مسؤولة عن أرشيف المرضى وستكون مفيدة في تقديم أي معلومات تحتاجها." قال الدكتور ميلر قبل أن يخرج من الغرفة، تاركًا جاكوب وحده.

وقف جاكوب للحظة وسط الغرفة، يحاول استيعاب كل التفاصيل. كان الجو يملؤه شعور غريب، وكأن شيئًا في هذا المكان لم يكن على ما يرام. بالرغم من الهدوء الخارجي، كان هناك توتر غير مرئي يلف المكان.

عندما خرج أخيرًا من الغرفة، توجه نحو المكتب المخصص له، مستعدًا للغوص في الملفات التي قد تحمل بعضًا من إجابات

السراب الداخلي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن