أصفر .

27 10 0
                                    

ملاك الظلال .

في فضاء هذا المنزل - منزل إيفانور- الذي أعيش فيه، لم تعد الموسيقى تبهجني بقدر ما يفعله صوت إيفانور.   فقدان والديّ كان عالقًا في عمق روحي ، لا زلت أذكرهم ، بعمر الخمسة و العشرين  ؛  أصوات ضحكهم، ولطف لمساتهم، واحتضانهم الدافئ الذي يملأ قلبي بسلام غير مشروط.

ومع ذلك، فإن  نور عتمتي ، كان يحرص على أن يشعرني بأنني لا أزال جزءًا من الحياة.  يده الدافئة عطاءً لا ينضب،  لمسته تخترق سكوني، تجعلني أشعر أنني مؤهلة لمواجهة هذا العوز.

إيفانور، العكاز الذي أستند عليه في زحام الذكريات الموجعة.  كل صباح، يترك لي ملاحظات تشجيعية  و كلمات تنبض بالسعادة في أماكن متفرقة من منزلنا. تتعانق تلك الملاحظات المشجعة مع رائحة القهوة التي تفوح من المطبخ، وتوقظني من سبات الليل. أشعر بأصابع يدي تلامس ورقًا ناعمًا مكتوبا بلغة برايل، حيث يعبر إيفانور بدفء عن مشاعره.  رغم أن الظلام  يحيط بي. أشعر وكأنه يمدني بألوان جديدة،

لم يهدأ له بال بتركي في المنزلي و المغادرة للعمل ، لذلك حرص على تطوير تطبيقه الخاص الذي واكب كل دقة من خطواتنا، يتيح لي سماع صوته  عندما يروي لي عن يومه. صوته الممزوج بنغمات العمل وتفاصيل حياة الترف،  يشعرني بالانتماء حين أستمع لحكاياته عن زملائه، وأحداث العمل، وكأنني أشاهدها بعيني باستحضار الأنواع المختلفة من الناس في المشهد الذي أفتقده .

يعتقد صاحب ألواني المفقودة أن كل زاوية في المنزل  تشبه قلبه، فقام بتجهيز المكان بأجهزة ذكية  مساعدة ، تسهل لي التفاعل مع العالم الخارجي.   تلك الأجهزة  التي صارت أذني الثالثة، تهمس لي بأخبار العالم، تفتح لي أبواب المعرفة وتسلّط الضوء على تفاصيل كنت أعجز عن إدراكها.  تستجيب لنبرات صوتي، وتحول الفضاء من مجرد جدران إلى كائن حي يتفاعل معي. تلك الأجهزة انتشلتني من غياهب العزلة ووعدتني بالراحة التي أفتقدها. علمتني التنقل في أرجاء بيتي الجديد بثقة.

مكتبتي الصوتية، تلك الزاوية التي أضحت لي ملاذاً بفضل إيفانور. كل كتاب صوتي يأخذني في رحلات عبر الزمان والمكان، وكأنني في حضرة عوالم مختلفة. أضع السماعات على أذني، أشعر أنني على متن سفينة تحملني بعيدًا،  يجرفني التيار إلى شواطئ الخيال. وأغوص في عوالم لم أسافر إليها من قبل. أنغمس في روايات تُعيد تشكيل وعيي.  أستمع إلى روايات شخصيات تشبهني، تشارك أفراحها وأحزانها، فتشعرني بأنني لست وحدي في هذا العالم.

أعيش بين الشخصيات، أرتدي أثواب مشاعرهم وأستشعر آلامهم وأفراحهم . أغوص في أحزان البطلة التي تعاني من الفقد، فتظنني تارة شريكةً لها في الألم، و تارة أخرى رفيقةً في الفرح . فأضحك وأبكي في الوقت نفسه، تُسيطر علي رغبة لا تُقاوم في أن أختبر كل ذلك بنفسي.

COLOURLESS حيث تعيش القصص. اكتشف الآن