ترحيب في العتمة .
بسبب معاناتي في المدرسة العادية، نقلني أبي إلى مدرسة جديدة؛ مدرسة للمكفوفين. تجارب جديدة، آمال وأوجاع مختلطة.
أوّل يوم في مدرسَتي الجَديدة ، تجوّل داخلي مزيجٌ من التّوتر و الأمل . في كلّ خطوَة بِذلك الطّريق تَقتحم عقلِي عدّة أسئلة : هل أسِير نحو نورٍ سأستَشعره ؟ ، أو سأغرق في الظّلام كما حدث في السابق ؟
لمَسة يدِ أمّي كانت تشعِرني بِالقوة و الدّفئ ، بِمثابة قوّة دفعٍ لِي .. أما أبِي فلَم يتوّقف عن الثّناء عليّ وَ تشجِيعي بثّ ذلك في روحِي نبضًا جدِيدا من الأمَل .
أخذت نَفسًا عمِيقا عندما استتشعرت وصولي إلى المدرسة من خلال أصوات الأطفال. وقفتُ أمام بابِها ، نسَمة الهواء التّي مرّت بِي جعلتنِي أقشعّر ، و لكّنني فقط أرمِي بِظلال اللّوم علَيها ، قشعَريرتي سَببها خوف مُدرك من مَصير مجهول ، ففور دخولِي سيُحدد إن كانت مدرسة الكَفيفين نقطة إنطِلاقتي أو نقطة توقّف أبدي .
أول ما وطأت قدماي المكان ، شعرت بأنني في مكان مختلف. لكن مع ذلك، تسللت إلى عقلي أفكار مظلمة: هل سيقبلني الآخرون؟ هل سأكون كما كنت في المدرسة القديمة، عرضة للسخرية والشفقة؟
بعد حذِيث دار بين والدَي و المعلّمة ، إستنبطت أن الجَميع مِثلي ؛ بعضهم ولِدوا فاقِدين البصر و البعض الآخر فقدوه بِسبب حاذِث ألِيم ،فإنكمش قلبي داخل صَدري لمعاناتهم رغم أنّ وضعي لا يقّل سوءًا عنهم .
فور مغادَرة أهلِي طّوقت المعلمة كتفيَ بيديها إستشعرت بذلك لَمسة حنونة ، فإرتسمت إبتسامة لا إرادية على شَفتاي إستمرت حتى وصلنا الفَصل .
"أنصِتوا صِغاري الأعزّاء ، لدينا زهرة جَديدة سَتكمل يرعانها في بستَاتنا
لِذلك فلنرّحب بها".نبرتها سيمفونية عذبة تَسللت لأعماقي و إستقرت هناك.
كان ترحيبا مختلفا عن الذي كان في المدرسة السّابقة ، فلم أسمع بِنتَ نبسةٍ واحدة ، ولا هَمسات غير مفهومة . فقط الجَميع قال بصوت واحد :
"مرحبا بِكِ".
بعد التّعريف عن نَفسي الذّي إستغرق مني وقتًا ، كانت جملة واحِدة و لكنني شعرت أنها فقرة طويلة بسبب توتّري الشّديد . لم يشتكِ أحد رغم ذلك . لم يكن الأمر كما توقعت. كنت أظن أنني سأستبدل جدران مدرستي القديمة بخطوط عريضة من العتمة، لكنني اكتشفت أن العالم هنا مشرق بشكل آخر.
قادتني المعلمة الى طاولتِي ، جلستُ و أخذت أتحسسها ، إستشعرت حروفًا ، و أرقاما بارزَة ، تداخلت بي الاسئلة مجددا : "هل هكذا سوف أدرس؟ ، ما هذا تحديدا؟".
و لكن معلّمتي كانت لهذه الإلتباسات بالمِرصاد ، فقد أخذت تشرح لي كيف أتعامل مع البرايل ، شعرت و كأنّني إكتشفت شيئا جدِيدا .. كأنني إكتشفت نجوما خفية حول السّحاب لا تظهر إلا لمن يتحسّسها بقلبه لا بِناظريه.
كانت الحصة ممتعة بالفعل ، و حصّلت عدة معارف و معلومات. أما في وقت الإستراحة ، فقد خِفتُ النّبذ كما حدث سَابقا ، و لكن الأمر كان مختلفا. الجَميع كانُوا معًا في حلقةٍ ، و كلهم كانوا يتحدثون ، خجِلت الحَذيث و توترت الى أن صَدح صوت في أذني .
"ماذا عنكِ؟شاركينا شيئا!".
كان صوت فتًى ، أخرجني من شرودي و من محيط أفكاري السّلبية ، إرتبكت بعض الشّيء و لكن تذكرت كلمات أمي جيدا .
"ستُصادفين أشخَاصا ، لن يَروكِ و لن ترَيهم .. و لكّنكم ستستطِيعون الرّؤية فقط ما دَاخل بعضكم".
أمي لا تكذب أبدًا ، كانت على حقٍ ..
لقد إستمتعت بالحَذيث و لأول مرة شعرتُ أنّني شخص يُستمع إليه ، شخص مهم.. ليس مجرّد نكرة.
![](https://img.wattpad.com/cover/378449583-288-k100741.jpg)
أنت تقرأ
COLOURLESS
Storie brevi• مكتملة • هل فكرت يومًا ما الذي يعنيه أن تتجرأ على الغوص في الأعماق بلا بصر؟ تخيل كيف يكون التنفس في فضاءٍ خالٍ من الألوان. قصة جسدي الذي يتجول في عوالم لا يراها، بل يشعر بها. بأعينٍ مغمضة، لكن بروحٍ تتوهج بحكايات لا تحصى. من أعماق غير مرئية، أ...