أزرق نيلي .

5 3 0
                                    

شظايا الأمل .

استقرت تلك اللحظة في داخلي كجرحٌ غائر، حين قررت أن أستشير أمي بشأن الأمر الذي كان يدور في خلدّي مع بعض  الشكوك والتساؤلات. كان صوتي مضطربًا، تملكني الشك والخوف من ردها، لكنني ألححتُ .

توجهت أمي، بقلب يعتصره القلق، إلى الطبيب المختص.  عادت و شعورها بالقلق يشي بكثير مما كانت ستقوله. جلست بجانبي، و أخبرتني أن الطبيب قال أنه يوجد بصيص أمل ، أكملت كلامها حين قالت أن تكلفة العملية كبيرة للغاية .

شعرت بتلك الجملة تلقي بظلالها الثقيلة على قلبي. كان التكلّم عن المال  يجثم على صدري، فهو ليس مجرد ثمن لجراحة، بل هو ثمن لحلم غاب عن عيوني منذ ست سنوات . تركت لي كلمات الطبيب التي أضافها بعد فترة صمت، كمن يجرني إلى حافة الهاوية، حيث أبلغتني أن نسبة النجاح ضعيفة . تداخلت الدموع في عيني.

كيف يمكن لحلمٍ بهذا الحجم أن يصبح مجرد بريقٍ باهت في الأفق؟

كنت في سجنٍ من الظلمات، حيث لا تعود إلى الذاكرة صور تلك اللحظات السابقة التي عشتها مليئة بالألوان.

ما زال هناك أمل، أليس كذلك؟

سألتها أملاً أن تُعيد لي بعض الثقة التي سلبتها قسوة الواقع. لكن أملي كان مجرد سراب، إذ ردت أمي بحذر أنه يجيب علينا محاولة التخطيط. حاولنا جمع القليل من المعلومات حول الخيارات المتاحة، والتكاليف، وابتكرنا خططًا بديلة، لكن كل فكرة كانت تُقابل بعقبات لا تُحصى.

شرعنا نبحث عن دعم من الأصدقاء وأفراد العائلة،  و قد تم تنظيم حملة جمع تبرعات، مقرها يبعد عن منزلنا حوالي 200 كلم .

عندها قررت أمي تركي وحدي في المنزل، كان الليل قد ألقى بظلاله الكثيفة. انقضت لحظات تلاشت فيها الأصوات المعتادة، وصار الصمت يلتف حولي يخنقني  . 

كيف لي أن أواجه هذا الفراغ الوهمي  ؟

تتوجه أمي نحو الباب ، وصوت خطواتها يتردد متزامنًا مع نبضات قلبي، كل خطوة تُشبه دقات ساعةٍ تُعلن عن اقتراب الفراق. خشيت أن تكتشف أنني بحزن شديد أراقب مراسم وداعها من خلف ستائر العتمة، فقررت أن أُخفي مشاعري، وأتظاهر بأنني هادئة.

أردت أن أصرخ، أن أُخبرها كم أحتاج إليها، لكن الكلمات تتعثر في حلقي،  تخشى الخروج إلى عالمٍ مُظلم. أردت أن أُخبرها أنني أُحبها، وأنني سأفتقدها أكثر مما يمكن أن تتصور.

سمعت صوت الباب وهو يُغلق، يُغلق خلفه كل الأمل. شعرت بفراغٍ مُخيف يملأ المكان، بدأت الدموع تتسلل إلى عينيّ، لكنني مُنعت من البكاء.

ثم صوت السيارة وهي تنطلق في الظلام. بدأت أشعر بأنّ الغرفة تضيق بي، كل ركنٍ فيها يضغط على صدري، وكأنني محاصرة بالخيبة والعزلة.

أدركت أنني وحدي، وأن الظلام ليس مجرد غياب الضوء، بل غياب الأمان، غياب الحب الذي أستمده من وجودها.  تمنيت لو بإمكاني أن أُمسك بيدها، أن أشعر بدفء لمستها، لكنني كنت مُحاصرة في عتمتي، مُحاطة بأفكارٍ مُتضاربة.

عدت إلى فراشي ، و شعرت بملمس الوسائد، ناعمةً وباردةً، وكأنها تتآمر مع الوحدة لتعزيز انقطاعي عن العالم. ترافق القلق مع شغف الأسئلة. لماذا كان الظلام زائري الدائم؟ هل ستعود أمي حاملة زهور الأمل لي؟

شعرت بحاجة مُلّحة لاستجلاب الحياة إلى هذا الصمت المتجذر بقلبي .نهضت فجأة، متوجهة نحو البيانو . وضعت يدي على المفاتيح ، كانت أطرافي تتلمس النوتات، و شرعت في العزف إلى أن غفوت .

COLOURLESS حيث تعيش القصص. اكتشف الآن