فيروزي فاتح .

70 21 0
                                    

ضوء جديد .

كان ذلك اليوم مميزًا، يحمل في طياته خبرًا سيعيد تشكيل حياتي. ثلاث سنوات من الارتباط بإيفانور، ثلاث سنوات من الحب الراسخ الذي كان لي بمثابة الحبل الذي يربطني بالعالم،  حملتني مشاعر مختلطة عندما أخبرت زوجي بنبأ الحمل. لكنني شعرت كأن هذا النبأ قد وضع وزناً إضافياً على قلبي. كيف سأكون أمًا، والظلام هو رفيقي الدائم؟

قررنا تسميتها " إيف " ، كثمرة لحبنا .

دوما ما أستمع لصوت إيفانور وهو يهمس بتفاصيل جديدة من عالم سوف يشرق قريبا. يعود إلى المنزل، رائحة عطره تمتزج بروائح الأسواق. فيصف لي المشتريات و الأغراض بحماس طفولي ؛ ألبسة الأطفال ، ألعاب ، الالوان ...

أخذني بيده، ودلّني نحو غرفة الطفلة ؛ سرير صغير ودميتان  تنتظران براءة إيف . وهنا،  هرعت مشاعري نحو الفرح والترقب. رحت أتخيل أيف وهي تتقلب في سريرها، ضحكاتها تتردد في أرجاء المنزل.

اللمسات الأخيرة على غرفة ايف، محاطة بالزينة والرسومات الملونة. أضأنا مصابيح صغيرة تعكس أجواء دافئة، وعلّقنا رسومات لنجوم وقمر على الجدران.

لكن، في أعماقي، كان الخوف يأكلني : كيف سأكون أماً لطفل يحتاج إلى نور؟

لذلك  تعلمت كيفية التأقلم مع الظلام بطرق جديدة. قرأت كتبًا صوتية عن تربية الأطفال، وتعلمت من تجارب الأمهات الأخريات. كانت قصصهن تشجعني وتزيد من عزيمتي.

خلال فترة حملي ، بدأت أتساءل أكثر عن شكل الأمومة. كنت أتخيل لحظات جميلة، مثل قراءة القصص قبل النوم، أو اللعب في الحديقة، لكن الخوف يلح عليّ: هل سأكون قادرة على تقديم كل ما تحتاجه؟

مع تقدم الحمل، شعرت بحركات صغيرة داخل بطني. فألمس بطنّي وأتحدث إلى إيف، وفي كل زيارة للطبيب، يحرص إيفانور على وصف  لي ما يجري. الى حين موعد الولادة، حيث  كنت متحمسة وخائفة من المجهول .

بين آلام المخاض، شعرت بشيء غير عادي. قوة تتدفق في داخلي، عندما جاء  جنيني  إلى العالم، أطلق أول صرخة له، نبض الحياة الذي أدخل الفرح إلى قلبي.  حملتها للمرة الأولى،  أتلمس تفاصيل وجهها الصغير.

"أنت نجمة في عالمي"

همست  و دموعي تندفع.

زوجي، يمثل لي الدعم من قلق و رعاية. أحس بنبضات قلبه تتسارع تعكس مخاوفه.

انخرط إيفانور في دور الأب بكل شغف، يُعدّ الحليب الخاص بها ، ويُحضّر طعامها . في ليالي السهر  الطويلة،  أستمع إلى همساته وهو يروي لصغيرتنا  إيف  قصصًا - بالرغم من أنها لا تفهمه -  تتمحور حول الألوان، حول أشعة الشمس التي ترتسم على الوجوه، وحول ضحكات الأطفال التي تتخلل الهواء ،  بينما كنت أستمع، أتخيل ما لا أستطيع رؤيته، وأعجز عن استشعار ما يمكنه هو أن يشعر به. و يربت على ذراعها الصغيرة، وكأنه يُعوضني و يعوضها  عن عدم قدرتي على رؤيتها.

توالت الأيام، و  يُحاول زوجي القيام بكل ما يمكنه لتسهيل الأمور. يُعطيني تفاصيل يومه بحب، يُحكي لي كيف تضحك طفلتنا، وكيف تفتح عيناها ببراءة. لكن أسئلتي كانت تتزايد  في صمتي. ما مدى تأثير ظلامي على طفلتي ؟ كيف سأمنحه الألوان والضوء حين تكون ظلماتَ عيوني هي كل ما أعرفه؟

ومع مرور الأيام، صرت أستشعر ملامح هذا الكائن البريئ كأني ألامس قطعة من قلبي المشتت . لأتعلم قراءة تعابير وجهها من خلال الصوت واللمس، وحتى من خلال الأنفاس. كأنه حوار غير مرئي بيني وبينه، يفهم كل منا الآخر بشكل عميق. أغني لها ، أتحدث معها  بالرغم من انها لا تفهمني.

كثيرا ما أحلم بتفاصيل صغيرة؛  الابتسامات الأولى، والضحك، وضجيج الخطوات الصغيرة. كل فكرة تجعلني أشعر بالدفء، لكنها تعيد الخوف إلى الواجهة.

أحيانًا،  أترك خيالي يتجول شاسعًا، أتخيل كيف سيكون شكل الأشياء من حولي لو كان لدي القدرة على رؤيتها. كيف تبدو ابتسامة طفلتي و لون عينيها.  ينفطر قلبي  من شوق رؤية كل تلك التفاصيل.

ثم أحاول أن أتصور وجهها بطريقتي الخاصة : عيون تمثل الأفق، وابتسامة تجسد الأمل. لكن كلما تصورت ذلك، أشعر بالثقل. كيف يمكنني أن أكون رائدة في حياة طفل دون أن أملك الوسيلة لرؤية جماله؟

أشعر وكأنني أقف على حافة هاوية . غير قادرة على رؤية تلك البراءة التي وُلدت.

عندما أسمع صرخات الطفلة، و صوتها يملأ الفراغ الذي تركه رحيل والدي. أجد نفسي أحتضنها بشغفٍٍ، أداعبها وأتلمس جسدها الصغير، أحملها بين ذراعي، كانت تلك الحواجز التي تفصلني عن العالم الخارجي تزداد وضوحًا. لم أستطع رؤية وجهها الجميل، لكنني أستشعر معالم عذوبتها في لمساتها الرقيقة، في ضحكاتها ، أمرر  أصابعي على خديها الناعمين ، وكأنني أجمّل صورتها بتفاصيل لا أستطيع أن أراها .

إخلاصاً لهذا الكائن الصغير،  تتجاذب مشاعري بين الفرح والقلق ، بين الرغبة في توفير الأمان لطفلي والانغماس في مخاوف تنقصني.  خصوصا عندما احتضنها ، شعورٌ يختلط فيه الشغف بالعجز .

أخبرني إيفانور أنه يرى في وجهها ملامحي، كما لو كانت روحًا صغيرة تشبهني، بدأنا نلتقط اللحظات، ندوّن ذكرياتها في ألبوم خاص. أول خطوة، أول كلمة، أول دخول مدرسي ، كل صغيرة وكبيرة تشعرنا بالفخر.

COLOURLESS حيث تعيش القصص. اكتشف الآن