صورة دون إطار .
عطر الصباح يغمر الغرفة، لكنني لم أستطع رؤيته. استيقظت على صوت خافت، تملؤه همسات الرياح التي تتخلل نافذتي. لم يكن هنالك ضوء يدخَل عليّ ليُشير إلى بداية يوم جديد. كان كل شيء مُظلمًا، كأني خُطتُ إلى عالم من الخيال.
عندما فتحت عيني، أدركت فجأة أن هذا الظلام ليس كما اعتدته. ليست ظلمة عابرة، بل هي ظلمة محاطة بفراغٍ عميق. لم أشعر بالحياة، بل شعرت وكأنني عُزلت عن عالمي. لم يكن هناك شعاع شمس يُداعب وجهي، ولا ألوان تتراقص أمام ناظري كما كان يفعل في كل صباح.
تُسائلت: "هل أنا نائمة؟".
حاولت أن أشير بيدي إلى حيث كان من المفترض أن يكون النور، لكنني لم أستطع. كل ما استطعت فعله هو مد يدي إلى الفضاء الرحب من حولي. شعرت بملمس السرير تحت جسدي، القماش غير متساوى، كما لو كانت كل خلية فيه تتفاعل مع قلقي. لحظات من الحيرة اجتاحتني. ما الذي حدث لي؟ لماذا كل شيء في صمته العميق؟
قمت ببطء، ولَمستُ حواف الغرفة المُعتادة. جدرانها تعرفني، تمامًا كما أعرفها. اتجهت نحو الباب، وأخذت أركز على كل خطوة، أحاول الحفاظ على توازني في هذا العبور المظلم. فاجأني صوت أقدام أمي قريبة، كان صوتها مُطمئنًا كعناق دافئ.
"صباح الخير، ايفلين".
قالت بلهجة مفعمة بالحب والقلق. لكن كلماتها كانت غامضة في هذا الفراغ. كيف أُخبرها أنني فقدت القدرة على رؤية صباحها؟
"أمي، أين أنا؟"
نطقتُ بتوتر، وكأن الكلمات تستحضر في وجهي سحابة من الخوف و هي تتحسس الطريق.
"أنت في غرفتك، عزيزتي. كل شيء على ما يرام"
أجابت بتلك النبرة الطمأنة، لكن أصوات قلبي كانت تصرخ بعكس ذلك. كيف يمكن أن يكون كل شيء بخير بينما كنتُ أعيش في فراغ قاتم؟
تحسستُ حواف الغرفة بأصابعي، لتقودني الذاكرة إلى مكانٍ اعتدته. كل شيء كان يستقبلني بشكلٍ مختلف؛ الخسارة وضعتني في حالة من عدم التوازن. تعثرتُ قليلاً، لكنني تمكنت من التقدم نحو صوتها. هي النجاة في هذا المحيط المظلم.
تقدمت نحوها، مُتلمسة الطريق. شعرت برفرفة قلبها، ويدها التي امتدت لتلمس كتفي. كانت لمستها بمثابة شعاع من الأمل في ظلامي.
"أريد أن أفهم، أمي. لماذا لا أستطيع رؤية أي شيء؟"
كان سؤال فتاة في العاشرة من عمرها ، و لكنني كنتُ أدرك تمامًا أن الحديث عن العجز مؤلم لكلينا. ورغم أن نظراتي كانت فارغة، إلا أن مشاعري كانت مشدودة.
"سأكون هنا دومًا "
قالت محتضنة إياي ، شعرت بأن الحب يمكن أن يملأ الفراغ الذي تركه فقدان البصر. توقفت قليلاً، واستشعرت أنفاس أمي تتردد بيننا كالأصداء.
"أنا هنا، ايفلين. لن أتركك تواجهين هذا وحدك."
لكن تلك الكلمات، بالرغم من قوتها، لم تكن تكفي لمواجهة الظلام الذي غمرني.
حاولت استذكار ألوان الأشياء التي أحببتها، وملمسها، ورائحتها. كان لدي خزانة صغيرة ملأى بالكتب، ورائحة الصفحات القديمة تُشبه جلبة الذكريات، لكنني الآن، في هذا العجز، فقدت تلك اللمسات الفائقة.
قبلتُ شعور الندم؛ كنتُ أقتلع لحظات من الذاكرة. كيف كنت أستمتع بالشمس تضيء غرفتي، كيف كنتُ أهرب إلى عوالم مدهشة من خلال الكلمات. الآن، كل شيء مُظلم.
هل سأبقى هكذا إلى الأبد؟ سألت نفسي بصوت متقطع. بخوف يزحف داخلي كظلٍ ثقيل. كيف أتقبل أن أكون في عالم بلا ضوء؟ حاولت التفكير في الأشياء التي أستطيع فعلها. تذكرتُ صوت العصافير عند الفجر، ورائحة الزهور التي كنت أستمتع بشمها. لماذا أبدو عالقة في هذه الفكرة؟ هناك الكثير من الجوانب الجميلة للحياة، لكنني كنت أرى كل شيء في ظلي.
أنت تقرأ
COLOURLESS
Conto• مكتملة • هل فكرت يومًا ما الذي يعنيه أن تتجرأ على الغوص في الأعماق بلا بصر؟ تخيل كيف يكون التنفس في فضاءٍ خالٍ من الألوان. قصة جسدي الذي يتجول في عوالم لا يراها، بل يشعر بها. بأعينٍ مغمضة، لكن بروحٍ تتوهج بحكايات لا تحصى. من أعماق غير مرئية، أ...