لحظة تحول .
بدأت العزف بشكل يومي، ليس فقط في المدرسة، بل في المنزل أيضًا. كلما لامست أصابعي المفاتيح، أشعر أنني أستحضر عالماً كان غائباً عني. الأوتار تتجاوب مع أنفاسي، وتنفصل عن تفاصيل الظلام الذي أعانيه.
أخذتني الموسيقى بين أحضانها وكلما تسللت النغمات إلى مسامعي، أحسست بدفء يشع في قلبي . وفي لحظة مفاجئة، رتبت لي معلمتي حفلة موسيقية صغيرة. كان من المقرر أن أكون النجم في تلك الأمسية، بعد انتظار طويل يمزج بين الفرح والقلق.
اجتمع الأصدقاء ، العائلة، الاساتذة ، وأعضاء المجتمع، وتحوطني موجة من الأصوات والانفعالات. تحسست وجودهم حولي، ضحكاتهم و همساتهم تُشعل في قلبي شعلة من الأمل.
وقفت أمام البيانو، أحسست بقلبي ينبض في وئام مع الأوتار. أناملي تنزلق برفق على المفاتيح، تاركة خلفها تنبيهاتٍ غير مرئية، وكأنما أستدعي أصداء تجارب عشتها، أحلام بنمطٍ خاص، أمنيات لم تعد بصرية ولكنها تمسح حواسي الأخرى.
عندما بدأت العزف، تلاشت مشاعر الخجل والرهبة في دوامة النغمات، واختصر كل ما بداخلي في كل نغمة. شعرت بالخشوع يجتاح الحضور، وكأنهم يتنفسون مع الموسيقى، يسيرون في نهر من الإيقاع. كان العزف عبارة عن حديث غير منطوق، حيث شرح روحي بلغة الموسيقى التي تتجاوز الكلمات .
شعرت وكأن الزمن توقف. الحضور كانوا في حالة من الانغماس، وعينيّ تغلقان قليلاً، متجاهلة كل شيء حولي، موجهة الإحساس إلى النغمات التي تتراقص في الفضاء.
مع كل لحن، كنت أستعير شجاعة جديدة. تمكنت من رؤية عواطف من حولي، أرى العيون المبتسمة والنظرات المدهوشة. وكأننا جميعًا في حالة تأمل جماعي، يتشاركون شعورًا يدعو للإلهام والأمل.
عندما انتهيت، ارتفعت الأيادي في تصفيق حار، صدى التصفيق يلامس قلبي مباشرة. شعرت بسعادة غامرة، لم تكن مجرد لحظة انتصار شخصية، بل تعبير عن التواصل الإنساني الجميل. ابتسمت، و اختلطت دموعي بضحكاتي، وكان هناك شعور عميق بالامتنان لكل من كان حاضرًا، لكل من دعمني في رحلتي.
أنت تقرأ
COLOURLESS
Historia Corta• مكتملة • هل فكرت يومًا ما الذي يعنيه أن تتجرأ على الغوص في الأعماق بلا بصر؟ تخيل كيف يكون التنفس في فضاءٍ خالٍ من الألوان. قصة جسدي الذي يتجول في عوالم لا يراها، بل يشعر بها. بأعينٍ مغمضة، لكن بروحٍ تتوهج بحكايات لا تحصى. من أعماق غير مرئية، أ...