رمادي .

18 2 0
                                    

ميراث .

تدهورت صحتي في ختام فصلٍ طويل من الكفاح، وتحولت حياتي إلى مجموعة من الأوجاع والصراخات المقتولة قبل أن تخرج من شفتي. كنتُ في  الأيام القليلة الماضية جليسة على كرسي متحرك، حيث كانت تلك العجلات تمثل لي الحرية المتوهمة. كانت إيف تسألني دوما عن السبب ، أخبرها أنني متعبة فقط . في بادئ الأمر كنت أستطيع المشي . و لكن الآن  ، صرت أُحصي خطواتي القليلة ، وأشعر بضعفي يتجذر في يدي بعد أن أصاب ساقيّ فقط .  الآن، فقد استسلمتُ للفراش، أستشعر جسدي كغريبٍ يبتعد عني، وكأنني أعيش في جسدٍ لا يُشبهني. و بدأت مرحلة السقوط بلا هوادة،

كانت الأعراض تتوالى كفصولٍ من روايةٍ مرعبة. كنت أتوسل إلى الأيام أن تكون رحيمةً بي ، فقط من أجل إيف ، لكن كلما مرت ساعةٌ، كان الألم يعاود الظهور، كأنما يتربص بي ليقضم كل جزءٍ من حياتي.

ألمٌ حادٌ، في كل عصبٍ وعضلة . كل لمسةٍ، تُعيدني إلى صقيع الألم.  يدي ترتجف عندما ألمس طرف الفراش، أحاول فهم واقعٍ جديد لا أستطيع أن أراه. شعور الوخز يشتد كصدى همساتٍ حتى أنفاسي. وفي لحظاتٍ، كنتُ أشعر بقسوة عقابٍ من الزمن. بينما الألم يشتد، يمزقني إلى أشلاءٍ من اليأس. ضعفت عضلاتي، وسرعان ما تحول جسدي إلى كائنٍ عالق في الوقت، عاجزٍ عن الحركة، كتمثالٍ من الأحجار.

لم يكن لي أن أستشعر شيئًا، سوى هدير أنفاسي المنهكة، وصداها يتردد في الفراغ المظلم حولي. نقلني إيفانور بالقوة إلى المستشفى ، بعد أن كنت رافضة للذهاب .

حين استرسلت إلى سرير المستشفى، ازدادت ملامح الحياة غرابة. كنت أشعر بحيزٍ فارغٍ من حولي، يتردد فيه صوت أجهزة المراقبة كموسيقى حزينة. كل  صوت "  بيب" كان بمثابة صدى لوحشٍ غير مرئي يتربص بي، مُذكّرًا لي بمدى هشاشة وجودي. أستمع إلى همسات الطبيبات والمرضى المرهقين، لكن كلماتهما تبدو كأنها تَحلق بعيدًا عن مسامعي، تتلاشى في ضباب المعاناة.

أخبرني الطبيب أنها متلازمة غيلان بارييه، رغم أنها غير قاتلة في أغلب الأحيان،  و لكن حالي الشديدة  و تأثيرها على عضلات التنفس ، أخلطت الأوراق و أعادت الحسابات.  أستمع إلى وقع كلماتٍ تُعلن عن هزيمتي.

بقيت في تلك الزاوية المنسية، ملتفةً في غلافٍ من الشك والخوف.  عواصف الذكريات تضرب شواطئ عقلي، ذكريات جميلة لتلك اللحظات التي كنت أضئ فيها إيف ، رغم حاجتي للضوء .  أحتضنها في أحضاني في سرير النوم، بينما تنبض الحياة حولي.

اكتشفتُ أنني أسيرةٌ في عالمٍ من السكون، وأنني مشدودةٌ إلى قيدٍ غير مرئي. انتزعتُ من أعماقي طيف الفرح، الذي غدا جسدي كأني أستعيد شيئًا ضائعًا، لكنه تبخر أمام غمار التعب والانكسار.

في صوت العائلة، مازالت إيف محافظة على دور الصحفي في نشرة العائلة كما اعتدنا سابقا ، إذ تنقل أخبراها إليَّ، لكنني  أشعر كأنني أشاهدها  من نافذةٍ عالية. أرغب في أن أكون هناك، بينهم، لكن جسدي لا يستجيب لنداء الروح.

COLOURLESS حيث تعيش القصص. اكتشف الآن