١
وصلت إلى مكان عملي، الذي كان مقهى بسيط تديره سيدة كبيرة في أحد أحياء طوكيو الهادئة. كان أغلب من يرتاده هم زبناء معتادون، مما جعل عملي هناك مليء بالدفئ والألفة المتبادلة. ذهبت إلى الغرفة الخلفية للتغيير والتجهز، متفائلاً بيوم طيب كأي يوم آخر، ومتحمساً للرائحة القهوة السوداء التي تنعشني دون أن أشربها، والكعك الطازج الذي تكفي رائحته شهيتي. لكن، عندما دخلت وجدت شيئاً شاذاً عن أيامي المعتادة، وأول ما لفت انتباهي كان شعراً أسود مموج مألوف. كان صاحبه جالساً وظهره موجه لي كان يفعل شيئاً ما بحذائه، أكان يربطه يا ترى؟ استغربت وتسألت من يكون هذا الشخص، حتى نادتني ميكا بصوتٍ خافت من بعيد، فذهبت إليها وامسكت بي لتبعدني عن الغرفة، ثم قالت بصوتٍ خافت، "إنها عاملة جديدة!"
عاملة؟
قلت لها بعد أن ضيقت عيوني، "إنها فتاة؟"
"أجل أجل! ألاحظت؟" كاد صوتها أن يرتفع إلا أنها تداركته، ثم أضافت على عجل، "اسمع انت من سيعلمها عن كل شيء.." ثم انسحبت بسرعة دون أن تتيح لي فرصة للكلام أو السؤال. كنت أنا وميكا فقط نعمل في هذا المقهى، ولم أعتقد بأن المديرة ستوظف أحداً إضافياً، لأنه لا قصور في عملنا، ولم يسبق لنا وأن احتجنا إلى أية مساعدة. ما الذي تفكر فيه المديرة يا ترى؟ حتى أنها لم تخبرنا بالأمس بقدوم عامل جديد.
عدت إلى غرفة التغيير وكان.. أو كانت لا تزال جالسة. لا شيء من الخلف يبين جنسها؛ ملابسها رجولية والشعر فوضوي ليكون لفتاة. تقدمتُ نحوها بتردد محاولاً لفت انتباهها دون التفوه بكلمة، ثم نهضتْ وكانت طويلة بشكل مفاجئ لم يتضح عندما كانت جالسة. حدقتُ بظهرها.. كان هذا الشعور مألوفاً. مشهدٌ استدعى ذكرياتٍ قديمة مموهة، أخذت تتضح وتستعيد ملامحها وألوانها. للحظة تجمدتُ في مكاني وشعرتُ بصوت دقات قلبي يرتفع، وفقدت كل إحساس بهذا العالم. تحرك جسدها والتفتتْ تستقبلني. تلك الشامة أسفل شفتيها، تلك الحواجب السوداء الكثيفة، تلك العيون الحادة الكحيلة والظلال العميقة التي تحيط بها، وذلك الأنف المستقيم والوجه الممتلئ. وسيمة جداً وأجنبية المظهر كما لم تكن من قبل. الشعر الكثيف يغطي جبهتها كلها، وأضاف ظلالاً على عيونها، مما جعلها مخيفة المظهر أكثر من الماضي، وأكثر وسامة حتى.
همستُ، "إيما؟" ونظرتْ إلي دون أن يتغير شيء في وجهها البارد. أحياناً يبدو وجهها هكذا؛ خالي من المشاعر. إلا أنه بدا في هذه المرة، وكأنها لم تعد قادرة على تغيير ملامحه أبداً. "إنها أنتِ إيما! ألا تذكرينني من المدرسة الثانوية؟!" قلتها وقليل من الألم واللوم يتخلل صوتي.
أنت تقرأ
الذهاب إلى روسيا
Short Storyتعلقت روحي البريئة بك بسهولة، وشغفت بشخصيتك العظيمة. لكن كيف كان لي أن أعلم، وأنا الجاهل البريء، أنك قد تكونين مزيفة؟ الشك داهمني واجتاحني بلا رحمة.