٥

157 17 0
                                    



٥

قدمت ميكا مسرعة تسألني بتأنيب، "لماذا تصرخ؟!"

تداركت نفسي، "المعذرة لم أشعر بنفسي.." ثم نظرت إلى الشابتين أمامي، ووجدتهما ينظران إلي بتعجب. قلت لميكا دون أن أنظر إليها، "هل لكِ أن تغطي لأجلي؟ هناك شيء مهم.. علي الحديث مع هذين الآنستين." بعدما انتهيت من الكلام استوعبت معناه، فكان فمي يتكلم من نفسه. بدت الحيرة على ميكا ونظرتْ إلى الفتاتان بحواجب معكوفة. مشيتُ نحوهما، تاركاً مكاني لميكا، وقدتهما نحو أحد الطاولات في اخر المقهى. تبعتني الفتاة ذات الفستان ثم لحقت بها الأخرى. جلستُ وجلستا أمامي. أستطيع القول بأن الفتاة ذات الفستان تفهم ما المقصد من كل هذا من وجهها الهادئ، أما الأخرى فيبدو أن غضبها ومللها قد ازدادا، أكان السبب أنها حامل يا ترى؟

لحسن الحظ بدأت الفتاة ذات الفستان المحادثة، "أعلم أنك صديقٌ قريب لإيما. لابد أنك حائر ومرتبك من أمرها، فلا يبدو بأن أحداً قد أخبرك شيئاً." حركتْ رأسها بسخرية لم أفهمها.

اكتفيتُ بهز رأسي، ثم قلت، "ما الذي يجري لإيما؟ وأين هي؟ و.. ولماذا تبحثان عنها؟ أيكون.. أعني.." فتحت فمي مراتٍ عديدة، لم أعلم ما الذي يجب علي قوله، فالأفكار متلخبطة، ولا أعلم بدايتها من نهايتها. استسلمت وقررت تغيير سؤالي، "ما الذي حدث لإيما خلال السنوات الماضية؟" حدقتْ بي الفتاة الغاضبة بوجه فارغ من المشاعر وكان رأسها متكئاً على يدها، وقد تبخر الغضب من عيونها التي أصبحت تبرق وتلمع فجأة لدرجة أني توهمت للحظة أنها امتلأت بالدموع. غصتُ في ملامحها الناعسة؛ وكأنها شخص آخر مختلف تماماً عن السابق. تذكرتُ إيما التي كانت هي الأخرى تحمل وجوهاً كثيرة مختلفة. قفز السؤال الذي كان من المفترض أن أسأله في البداية في بالي: من أنتما لإيما؟ لماذا يا ترى لم أسألهما هذا؟ لكن أمر إيما أهم. شعرت بالحزن والخوف يخنقاني، ولكنني مستعدٌ لسماع الحقيقة مهما كانت.

استلت الفتاة ذات الفستان نفساً ثم قالت، "متى كانت آخر مرة رأيت إيما فيها؟"

حولتُ نظري إليها، ثم قلت بعد أن حولته مرة اخرى إلى الطاولة، "لقد كان قبل ست سنوات تقريباً.. بعد تخرجنا من المدرسة الثانوية. كانت.. كنا في محطة القطار أنا وبعض الأصدقاء لنودع إيما لأنها كانت ذاهبة إلى المطار.. لزيارة روسيا.." رفعتُ رأسي وقلت بغباء، "لابد أنك تعرفين هذا. اقصد ذهابها.. إلى روسيا.."

هزتْ رأسها متجاهلة لهجتي، "أجل.. لم تصل إلى هناك رغم هذا." جمعتُ حاجبي بتساؤل. انتبهتُ إلى الفتاة الأخرى التي لا زالت تحدق بي بنفس العيون الناعسة. أكملتْ الفتاة ذات الفستان، بعد أن وضعتْ رأسها على يدها لتتكئ هي الأخرى. "في ذلك اليوم، قبل أن تصل إلى المطار، تم اختطافها من قبل أشخاص كانوا يعملون لأحد الطلاب.. كان طالباً معكم."

الذهاب إلى روسياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن