نافذة أخرى ٢
لم أكن منجذبة للكحوليات كبعض الأشخاص الذين يواجهون مشاكل في حياتهم، ويشربون لينسوا همومهم. إلا أنني في نفس الوقت، كنت أعتقد بأن هذا أمر رائع في الحقيقة؛ أن تشرب وتدخل في ساعات بهجة وأنس تنسى فيها الحياة والواقع الأسود.. لكن حتى مع اعتقادي هذا إلا أنني لم أكن مهتمة، أو لا أجد الإهتمام. وأيضاً في نفس الوقت، لا أمانع شرب كأس أو كأسين، لكي لا أشذ عن البقية في الحانة التي ارتادها عادة في مثل هذه الأوقات المظلمة، لأنسى إرهاقاً مس قلبي وأثقل على كتوفي مع صخب أهلها.
دخلت المحل ووجدته كعادته مليء بالناس والإزعاج. اتجهت نحو الطاولة دون أن أولي محيطي أي اهتمام، ثم جلست وانتبه لي الشاب الذي يعمل بسرعة ملحوظة وكأنه كان يتوقع مجيئي، وقال بعد أن ابتسم، "المعتاد؟" واكتفيت بهز رأسي. لأكون صادقة، لم أكن أعلم ماهذا "المعتاد"؛ أنساه كل مرة. أعتقد بأن هذا الشاب قد اقترحه علي في أول مرة قدمت فيها إلى هذا المكان، وبعد ذلك، في كل مرة أأتي فيها إلى هنا يتذكرني ويتذكر ذلك المشروب. مع أن هذا المحل يضج بالزبائن كل يوم، فهو دائماً ما يتذكرني؛ شاب غريب الأطوار. بعد أن جهز المشروب قدمه لي، وشعرت به يراقبني بترقب وكأنه ينتظرني لأجرب ما صنعت يداه وامتدحه. أردت أن أقول له أن يهرب عن وجهي للحظة، ثم تنهدت وتناسيت الفكرة.
ذهب الشاب ليخدم زبائن آخرين، وجلست لوحدي أحدق بالكأس الفارغة أمامي. الأضواء الخافتة تنعكس على زجاجها، وأجسادٌ سوداء اختلطت بهذه الأضواء. مرت عدة دقائق وأنا في هذه الحالة أتأمل الكأس، وشعرت بروحي تفارق جسدي المثقل بالهموم وتنصب في داخل الكأس وتندمج مع الأضواء بكل حرية وخفة. كم كان شعوراً رائعاً. كنت حرة من كل شيء ومن كل حدٍ وحبل. أخذت روحي ترقص مع الإنعكاسات بسعادة بالغة لدرجة أنني شعرت بأن الكأس لم تعد تستطيع استيعاب آفاق حريتي، وسوف تنكسر في أي لحظة. لكن، هذا الإعتاقُ لم يستمر لمدة طويلة، فكان هناك صوت قريب قد وجد طريقه إلى مسامعي بين كل الإزعاج.
أنت تقرأ
الذهاب إلى روسيا
Short Storyتعلقت روحي البريئة بك بسهولة، وشغفت بشخصيتك العظيمة. لكن كيف كان لي أن أعلم، وأنا الجاهل البريء، أنك قد تكونين مزيفة؟ الشك داهمني واجتاحني بلا رحمة.