نافذة أخرى ٤
الذكريات ضيوفٌ غير مرحب بهم في العادة. يزوروننا في أوقاتٍ حرجة دون طرق الباب.
تنهدت وأنا لا زلت أبحث عن كلوديا. إنها موجودة، فمن المستحيل أنها قد اختفت في ظلام أحد الغرف. انتبهت للمطبخ الصغير الذي كان بجوار غرفة الجلوس –لا أعتقد بأنه من الصحيح تسميتها بغرفة الجلوس، فلا مكان للجلوس-. دخلت المطبخ الذي لا يقل قذارة عن باقي البيت. الرفوف فارغة لأن كل ما فيها مستقرٌ في المجلى. تقدمت نحوه ووجدت سكيناً تطفو بين القذارة، ودون أن أعبأ بهذه القذارة، رفعت السكين وأخذت أحدق بها. قد تكون صغيرة وغير حادة واستخدامها سيأخذ وقتاً، ولكن.. أليس هذا أفضل؟ خرجت لأكمل بحثي في الغرف. يبدو أنها تسكن مع أشخاص آخرين فهناك عدة غرف نوم؛ ويبدو أيضاً أن الوقت لا يزال مبكراً لهذه الغرف لتمتلئ بالنائمين.
ناديت فجأة بعد أن شعرت بالملل من بحثي الذي قد طال، "كلوديا!" لا مجيب، "كلوديا أيتها اللعينة أين أنتِ؟" لم تبقى غرفة إلا ونظرت فيها، ولم أجدها. داهمني الشك للحظة، أجننت؟ أأنا أتخيل؟ وفوراً عدت أبحث في الغرف من جديد وأزيل الأغطية وأفتح الدواليب والخزائن بجنون، ففكرة أنني قد أكون فقدت صوابي جعلتني أجن أكثر. إلا أنني لم أستطع إيجادها.. لقد أخذها الظلام معه حقاً، وتركني يائسة بعد أن اعتقدت أنه يريدني. سقطت على ركبتي بجانب السرير، والسكين لا تزال بيدي، أفكر باحتمالية عودتي إلى البيت وإلى يومياتي المعتادة بعد قليل، بعد أن اعتقدت بأنني سأتحرر من كل هذا؛ بأنني لن أرى وجهي الشاحب وشفتي المرتعشتين بتلك الحالة اليائسة مرة أخرى، وأن كبريائي سيشفى ويلمم حطامه.. وبأنني لن أذهب إلى تلك الحانة البائسة مرة أخرى، ولن أرى وجه ذلك الشاب القبيح المتحمس لمجيئي، ولن أتذوق ذلك المشروب كريه المذاق. شعرت بالدموع تملأ عيوني وتسيل دون شعوري، وعضضت على شفتي حتى خرج الدم منها، وارتعش جسدي قهراً. الوهن والعجز غلباني، وانتشرا وهدا ما تبقى من روحي وجسدي. لقد كنت فعلاً ضحية الحياة.. والظلام.
بينما كنت أحدق في الأرض في يأس، تحرك شيء في طرف عيني. لقد كان النور الذي ابتلع الظلام، والأمل الذي كسر صخور اليأس، والفرج في ظل الظلم، والقوة التي تدفقت في عروقي بعد الضعف. كلوديا، مختبئة تحت السرير ترتعش وتكتم بكائها بيدها. ابتسمتُ بعد أن شعرت بالراحة، فأنا أخيراً سأستوعب هذه الظلمة ثم أكون حرة منها إلى الأبد.. ستكون تحت سيطرتي.
أنت تقرأ
الذهاب إلى روسيا
Short Storyتعلقت روحي البريئة بك بسهولة، وشغفت بشخصيتك العظيمة. لكن كيف كان لي أن أعلم، وأنا الجاهل البريء، أنك قد تكونين مزيفة؟ الشك داهمني واجتاحني بلا رحمة.