نافذة أخرى ١

125 16 0
                                    



نافذة أخرى ١

شعرت بشيء يراقبني من الخلف. حادة الطبع كعادتي منذ الخمس سنوات الماضية التي زرعت فيها عيونٌ خلف رأسي لأتفادى المخاطر المحدقة بي من كل جهة. قيل لي بأن علي ترك هذا الطبع، وأنني لم أعد بحاجته، ولكنني لا أصدق هذا. التفت لأرى وجهاً معتاداً.. وجهاً مموهاً ككل الوجوه التي تمر بي سواءاً في الطريق أو الذاكرة. قال شيئاً. حتى الأصوات التي تصدر من تلك المخلوقات المجهولة مموهة ومتشابهه، وتصل متأخرة إلى مسامعي. كان يسأل، أو كانت؟، عن ما إذا كنت أتذكره أو أتذكرها من المدرسة الثانوية. لقد كنت في مدرسة ثانوية من قبل، هذا صحيح. ولكن لحظة هذا ليس جواباً كافي، فالسؤال كان ما إذا كنت أتذكر هذا الشخص. لا أعلم قد أكون قابلته هناك، ولكنني في النهاية لا أتذكر هذا. قال شيئاً اخر لم أسمعه كله، أكانت كلمة "خلطت" موجودة يا ترى؟

* * *

قد لا يبدو علي الإدراك بالعالم والإحساس به، ولكني كنت أعلم بأنه –تبين لي أنه رجل- كان يراقبني طوال الوقت منذ الأمس. لم يزعجني تحديقه، لا يزعجني تحديق أي احدٍ في الحقيقة، فليس وكأنهم سيستطيعون بتحديقهم المستمر النظر خلالي ومعرفة ما يجول في خاطري؛ مع أنه لا وجود لشيء بتلك الأهمية يجول هناك. أشعر بداخله متوتراً مع أن خارجه هادئ. هيئ لي سماع دقات قلبه.. ووصلت إلى مسامعي بوضوح شديد.. وبسرعة. شعرت بشيء دافئ يتمدد ويجري خلال عروقي، وبالأمان يحيطني، وبأنني لا أحتاج تلك العيون خلف رأسي، ولكن كان هذا للحظة خاطفة، ففي النهاية لا أمان من شر هذا العالم الأسود.

بينما كنت أغسل الصحون تقدم ذلك الشخص نحوي وقال بأنه سيساعدني. كان كلامه يصل أسرع من المرة الأولى التي قابلته فيها، وقد فاجئني هذا. ربما أن هذا الشخص يعرفني؟ وربما أنه كان يعني لي الكثير؟ ربما لهذا السبب صوته يصل بسرعة إلى مسامعي. ربما، ولكن هذا لم يعد مهما بعد الآن.

سألني بعدها عن الجرح الذي في جبهتي. الناس الطبيعيون سينزعجون ويشعرون بعدم الإرتياح حول هذا، ولكنني لا أشعر بذلك؛ لهذا أريته وأجبته. لكن في نفس الوقت كنت أشعر بالملل حول هذا الموضوع، لأن صور ذلك الجرح لا تفارقني لا في الليل ولا في النهار، فغادرتُ المكان لعدم رغبتي بإجابة أي أسئلة إضافية. خرجتُ من المقهى وعدت إلى البيت أجر الظلمة خلفي.

* * *

لم أتوقع أن أنهض من نومي فجأة بوجه وشعر مبلل بفعل العرق. صدري يرتفع وينزل بسرعة، استغرق مني الوقت دقيقة لأستوعب بأني قد خرجت من كابوس مخيف؛ كابوس قد أكمل تلك الحادثة التي تم ايقافها في المنتصف. لم أشعر بهذا الشعور منذ فترة، لهذا استوعبت في تلك اللحظة بأنني كنت أنام الليالي السابقة بدون كوابيس وذكريات تلاحقني.. بأنني كنت في "سلام."

ذهبت إلى الحمام بهدوء حتى لا أوقظ آنْ وزوجها من نومهما. غسلت وجهي بماء بارد ثم اتكأت على المغسلة لألتقط أنفاسي وأنعش حواسي. نظرت إلى المرآة للمرة الأولى منذ فترة، ويا ليتني لم أنظر. كان وجهي شاحب اللون، وكأن كل الدم اختفى منه، وكانت شفتاي زرقاوتان ترتجفان، وأصابعي ترتعش. لماذا لم يكن وجهي مموهاً مثل الوجوه الأخرى؟ لماذا كان علي أن أرى نفسي في هذه الحال البائسة القبيحة؟ ألم في صدري اعتصر قلبي وخنقني. لا أستطيع أن أقبل بهذا الذل الذي تُركت لأتذوقه! أجل إنه ليس حزناً أو اكتئاب، بل ذل! كبريائي العظيم لا يزال موجوداً حتى بعد هذه الحادثة التي غيرت فيّ أشياء كثيرة. مع أنني لا أتذكر جيداً كيف كنت، ولكن بعض الأشياء واضحة لي. لدي كبرياء لا يهز ولا يكسر، أجده في عيوني يلمع ويبرق حتى لو بدت عيوني ميتة.. فهو موجود، وهو يلمع الآن.

شعرت بالجدارن تضيق مع ضيقان الحبال حول قلبي. لم أحتمل البقاء، فلا مكان لي هنا. خرجت من المنزل خلسة، كما أفعل عادة عندما أصل إلى حدودي مع هذا الألم ولا أستطيع احتماله أكثر. ليس وكأنني سأشعر بشعور أفضل إذا خرجت إلى هذا العالم الغير محدود، ولكنه على الأقل أفضل. 




الذهاب إلى روسياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن