•قضبان•

1K 99 10
                                    

ادارت وجهها لتجده يحدّق بها.
رفعت جسدها عن الأرض بتروٍ واضعةً يدها على ظهرها في موضِع الألم كون النوم على الأرض أتعبها ، نقلت جسدها لتجلس على السرير و تعاود الاستلقاء .

- أوه ، لم تكن ليلتكِ بالجيّدة ".

تنهدت باستياء ثم وضعت الوسادة على وجهها .

- كباقي الليالي عزيزي ، كُلها سيئة ".
نظرَ نحو يدها ليفتح عينيه باندهاش .

- حاولتي الإنتحار ! ".

نهضت سريعاً و قامت بتغطية جرح يدها بكنزتها الصوفيّة .

- لا ، فقط حطمتُ بعض الأطباق الزجاجية ".
نظرت نحو القطع الزجاجية المتناثرة على أرضية الغرفة ثم أردفت .

- حتّى و إن فكّرتُ بالانتحار فلن يحصل في ليلة الميلاد ، أعني أنها ليلة الميلاد لا يُفترضُ أن أموت بها ".

وقف متجهاً ليلتقط إحدى القطع الزجاجية .

- مسكينة تلك الأطباق ، صببتي غضبكِ عليها ".

- إن بقيت تسخر فسأصبُّ غضبي عليكَ المرة القادمة ! ".
قالت بانفعال ليبتسم ابتسامةً لطيفة جائتها كالمخدر لتهدأ .

ألتقطت حاسبها من أسفل السرير لتنهض و تضعه على فخذيها ثم تفتحه .

ضغطت على رمز البريد الالكتروني لتتفقد رسائلها ، على أي حال لا يأتيها رسائل سوى من العمل .

* واحد رسالة جديدة *

*لقد أنتهت مدّة اشتراكك في مجلتنا ، يُرجي زيارة مقرّ المجلة لتجديد الاشتراك ، و شُكراً *

- هل حقّاً مرّ سنة على اشتراكي في تلك المجلة ".
سألت نفسها باستغراب ثم فتحت هاتفها المهجور لقلة استخدامه لترى تاريخ اليوم .

- يا إلهي مرّت سنة على آخر مرّة خرجتي فيها من البيت ".
ردّ الشاب بشيء من الاستغراب .

- و الآن عليَّ الخروج لتجديد الاشتراك أو أُفلس و أموت وحيدة ".

- حبيبتي المعقدة ".
ردّ ساخراً لتعقد حاجبيها و ترفع نظرها نحو السماء كي لا تنظر نحوه .

- توقف عن السخرية الوضعُ مؤلم ".

- بِمَ تفكّرين لكتابة المقال أو الموضوع التالي ؟ ".

حرّكت يديها بقلة حيلة ثم رمت حاسبها على السرير و أرسلت من شفتيها تنهيدة تعبة .

- توقفي عن الكتابة عن الوحدة و الكآبة و الانكسار و هذه الأمور ".
قال ناصحاً إياها .

- اكتبي أموراً تسعد الناس و تجذبهم ، أموراً تعطيهم طاقةً إيجابية ".
رفعت عينيها باندهاش لتقول :

- عجباً ! ، كيف تخيلتكَ حكيماً ".

- لا يشتري الناسُ الجرائد و المجلات في بداية النهار ليقرأوا قصّة فتاة أدمنت المخدرات بعد أن هجرها حبيبها و لا قصة عن طفل سُلِبت منهُ طفولته لدى سيدٍ ظالم ، أكتبي أموراً تبدأ يومهم بسعادة و نشاط ".

فكّرت بكلامه قليلاً لتجد أنه منطقي للغاية .
لكنه صعب ، الكتابة تُستلخص من المشاعر و الأحاسيس ، الكتابة هي قلمٌ ينسجُ الأحرفَ في جملٍ جميلة جاعلاً إياها رداءً جميلاً معبّراً .
لكنها لا تشعر لا بطاقة إيجابية و لا بفرح ، فكيف لها أن تصوغ الكلمات ؟ .

- أكتبي عن فرحة الناس البارحة ، عن احتفالهم بعيد الميلاد ، عن لعب الأطفال و شجرة العيد المزيّنة ".

- لا أستطيع ، لا أستطيع بتاتاً ، أنا لم أشعر بها سابقاً ، تلك الّتي يسمونها السعادة ".

تنهدت بألم واضعةً يدها بين خصلات شعرها .

- لا أستطيعُ الكذب  ، سنارتي لا تستطيعُ نسجّ الكلمات بخيوطٍ كاذبة ، أنا أكتبُ عمّا في داخلي ، و ما في داخلي كومةُ دمار ".

نقلت نظرها نحو النافذة لترى جيرانها الصغار يلعبون بكرات الثلج بينما والدتهم تصيح عليهم كي لا يؤذوا أنفسهم ، ذلك أعاد لها بعضاً من الذكريات ، حيثُ كانت تنتمي لعائلة .
قبل أن تتخلى عائلتها عنها و تصبحَ وحيدة ، لتكتشف أنها لم تنتمي إليهم لتكتشف أنها لا تنتمي لعائلة ، أصدقاء ، حبيب و لا حتّى وطن .

في داخلها دمار كبير ، دمار نتج عن كراهية تعرّضت لها ، تعرّضت لها من قِبل جميع من حولها .

المكان الوحيد الّذي تنتمي إليه هو قلمُ الحبر خاصّتها و دفترها القديم ، تكتب به كلّ ما يجول في خاطرها ، لكن ما يجول في خاطرها عبارة عن منزل مدمّر بأحجار مبعثرة و أعمدة مكسورة أصابتها صاعقة الوحدة لتسقط و تهوي .

تناولت أحد أقلام الحبر خاصّتها بينما مازالت عينيها على السعداء خارجاً .

- منزلكِ هذا كالسجن ، أنظري زجاج نافذتكِ كالقضبان ، اكسريها و اذهبي نحو السعادة ".

حرّكت القلم على زجاج النافذة و هي ترسم ظلّاً للأطفال بمخيلتها .

- في ذات يوم كنتُ مثلهم ، و في ليلة واحدة بتُّ خلف قضبان الوحدة ".

- ألا تذكرين كيف يشعرون ؟ اكتبي ذلك الشعور ".
بادرها سائلاً لتبتسم بأسى .

- كان شعوراً جميلاً ، لكنني لم أدركه حينها .. الآن بتُّ أعلم ما يعنيه ".

فتحت النافذة لتدخلَ نسمة فيرتعش جسدها لتضمّ كلتا يديها لصدرها .

أقترب منها و أحاطها بذراعيه لكن ذلك لم يعطيها دفءاً أو أماناً ، فهو بالنهاية مجرد خيال من اختراعها .

رجلٌ من حبر | H.S حيث تعيش القصص. اكتشف الآن