•شكّلتني حروفكِ•

603 70 17
                                    


ضربت الرياح بقوّة ليتطاير شعرها و تستيقظ ، حاولت النهوض لكنها لم تستطع فمدّت ذراعها و أغلقت النافذة .
أستندت على خشبة سريرها القديم لترفع جسدها ببطء ، وضعت يدها على جيينها لتجد أن حرارتها مرتفعة ، ربما لأنها تركت النافذة مفتوحة ليلاً .
نهضت لترتدي معطفاً فوق ملابس النوم ثم عادت لتحتضن الغطاء مجدداً بينما أسدلت الستار و أغلقت الأضواء حيث أصبحت الغرفة معتمة تماماً .
أعادت رأسها للوسادة ثم أكملت بقية اليوم نائمةً .

أشتدت الرياح ليلاً لتفتح النافذة و تُبعد الستار مداهمةً غرفتها جاعلةً أغراضها تسقطُ أرضاً .
كانت إيلورا قد تركت دفتر مذكراتها مفتوحاً على طاولة قرب النافذة .
جعل الهواء الطاولة تهتز لتسقط علبة الحبر المملؤة على الدفتر معانقةً الأحرف و الكلمات المنقوشة عليه بعناية .

قلبت الرياح الصفحة الأولى ، إلى ذلك اليوم عندما بدأت إيلورا بتخيّل حبيبها الخيالي .
* في كلّ مرّة أنظر فيها خلال عينيه أتوه و لا أجد مخرجاً ، أهي زرقاء أم خضراء ؟ لربما هي خليطٌ جميلٌ من كلا اللونين *

سال الحبر حتّى السطر الأخير من الورقة .
*ثم ركضتُ لأحتضن جسده الطويل المتناسق ، كان قلبهُ ينبضُ بالحُبّ و الأمان *
وقع الدفتر على الأرض لتُقلب الصفحة .
* خرجتُ من المنزل لأجده ينتظرني بابتسامته الفاتنة الّتي تأسرني في كلّ مرّة أراها بها و بلفائف شعره البنيّة الّتي تشبه في لونها الشوكولا الداكنة ذات الطعم المميز *

رغم شدّة الرياح و البرودة إلا أن إيلورا لم تستيقظ فقد أخذتها الحمّة نحو عالمها المفضّل ، الأحلام .

*صباح اليوم التالي*

كان هو قد قضى الليلة في ترتيب أغراضها المتبعثرة و توضيب كلّ ما خلفته الرياح الليلة الماضية .
نظر نحوها ليجد أنها لاتزال نائمة ، انحنى ليجلس على ركبتيه ناظراً نحوها .
لم يكن مظهرها بالجذّاب ، شعرها المبعثر المليء بالعقد و شفاهها الباردة المزرقة ، عيناها الّتي انتفختا أثر البكاء المستمر .
حرّك أصابعه بين خصلات شعرها ثم أقترب ليطبع قبلة على جبينها .

أبتعد عنها بهدوء كي يتأكد أنها لم تستيقظ فمازال هناك بعض الأمور الّتي يجب عليه فعلها .

دخل المطبخ ليقوم بتوضيب الأغراض مكانها ثم يملأ بعض المياه داخل وعاءٍ بلاستيكي ثم بحث قليلاً ليجد قطعةً من القماش فيقوم ببلها داخل الوعاء .
عاد لغرفتها ليضع قطعة القماش على جبينها كي تخفف من حرارة جسدها ثم عاد نحو المطبخ ليحضّر لها الفطور .

فتحت عينيها بعدما أحسّت بقطرات المياه تسير على وجهها لتنهض .

نظرت حولها لترفع حاجبيها باندهاش ، لم تعتاد رؤية غرفتها مرتبة .

- لا أذكرُ أنني قمتُ بترتيبها سابقاً ، لربما الحمّة أنستني ".
ازاحت نظرها نحو الباب لتجده يقفُ مبتسماً .

- صباحُ الخير ".

- صباح الخير ".
أقترب منها ثم جلس على السرير .

- هل مازلتي تشعرين بالحرارة ؟ ".
- أخفُّ قليلاً ".

خلعت معطفها ثم أتجهت خارج الغرفة لتدخل دورة المياه ثم تغسل وجهها .
أتجهت نحو المطبخ لتشرب الماء لكنه تفاجأت عندما رأت الفطور مجهز على الطاولة .
تركت كأس المياه ثم أتجهت لتتفقد كل غرفة في المنزل .

- هل من أحد هُنا ؟ ".
سأل بصوتٍ عالٍ لكن لم تأتيها أي إجابة لتتجه نحو غرفته حيث تركته .

- الفطور مُعدّ و الغرفة مُرتبة ، أحدهم دخل المنزل ! ".
قالت بينما كانت تجول بعينيها و تتفحص أركان الغرفة .

- لورا ".
همسَ لتنظر نحوه بينما ابتسم و وقف .

- عانقيني ".
- ما فائدة ذلك ؟".

أشار لها أن تقترب ففعلت و سرعان ما أحاطها بذراعيه .

أبتعد عنه بخوف ثم أخذت تتحس جسده لتشهق و تضع يده على فمها .
- ج-جسدكَ صلب ".
أبتعد عنه قليلاً لكنه وضعَ يده على خدها و حرّكها بهدوء محاولاً طمأنتها .

- م-مستحيل ، أنتَ حيّ ".
أنزل يده عن خدها  ليأخذ بيدها و يمسكها بقوّة ليضعها في جهة قلبه .

- تحسسي ذلك ، حبيبتي ".
أمالت رأسها قليلاً لترخيه عند صدره فتسمع قلبه الّذي بدأ ينبض .

رفعت قدميها لتقف على أطراف أصابعها ثم تعانقه بقوّة .
هي دائماً ما تعانقه لكن هذه المرة كانت مميزة و مختلفة .

- هذه المرة الأولى الّتي أحتضنكَ فيها و أشعر بشيء ... شيء يُسمى الأمان ".

أبتعدت عنه ثم وضعت يدها على رأسها و هي تفكّر ، بدا ذلك غير منطقي كيف له أن يصبح شخصاً حقيقاً كباقي البشر بينما هو من صنع مخيلتها ؟ .

- هذا مفرط ، هذا غير واقعي ، أنا أحلم صحيح ؟ ".
نزلت لتجلس على الأرض و هو بدوره جلس قربه بعد أن تناول دفتر مذكراتها .

فتح الدفتر ثم وضعه في حجرها ليقرت بعدها من أذنها هامساً :
- شّكلتني حروفكِ ".

.
.
.
.
.
.
.

- تودُّ اقناعي أنكَ نشأتَ من دفتر مذكراتي ".
قال بعد نصف ساعة من الشرح لكنها لاتزال غير قادرة على تصديقه ، هذا غير موافق للطبيعة .

- هل لديكِ تفسير آخر ؟ ".
- حقيقةً ، لا أستطيعُ التفكير بأمر آخر حالياً ، لكن لابد من وجد تفسير منطقي ".

حرّك أصابعه على فخذيها ليأخذ الدفتر واضعاً إياه جانباً ، وضع كفّه أسفل ركبتيها بينما مدّ ذراعه ليلفّها حول ظهرها ثم يرفعها و يحملها نحو السرير .

- و الآن أخبريني ، هل الخيال من حملكِ ؟ ".
وضعت يدها على رأسها محاولةً التفكير .

- أنتَ حقيقي ربما ، لكنكَ لستَ من خيالي ".

أقترب منها و نظر نحو عينيها مباشرةً .
- انظري نحوي ، ألستُ كما وصفتيني ؟ ".
مررت أصابعها على وجهه لتجد أنه تماماً كما رغبت و حلمت .

هل عليها أن تحسد نفسها الآن ؟ لقد حصلت على حبيب مطابق لجميع المواصفات الّتي تُريدها .
عيناه و شعره حتّى طوله و جسده ، لم ترغب بأكثر من ذلك ، بدا له مثالي بشكل مفرط .

تركت ظهوره الغريب الّذي ينافي القوانين الكونية لتستمتع بوجوده .
أمالت رأسها على صدره ليحملها و يضعها في حجره .

لربما بدأت تتجرع السعادة ؟ .

رجلٌ من حبر | H.S حيث تعيش القصص. اكتشف الآن