‎الفصل التاسع والعشرون سؤال بارد

1.8K 100 1
                                    

في الصباح التالي استقر الرأي بين السيدة غاردنر وإليزابيث على أن المجاملة التي أبدتها الآنسة دارسي في زيارتها لهما يوم وصولها إلى بمبرلي لا بد أن تقابل بالمثل. ولذلك اتفقا على زيارتها في الحال, بينما كان السيد غاردنر يصطاد السمك مع بعض سادة بمبرلي.

وبما أن وصلتا إلى المنزل حتى اقتيدتا عبر الرواق إلى قاعة الاستقبال. فأظهرت نوافذها المفتوحة إلى الأراضي منظرا رائعا لتلال مرتفعة مشجرة خلف المنزل, وأشجارا جميلة متناثرة فوق المرج. وفي هذه القاعة استقبلتهم الآنسة دارسي التي كانت جالسة مع السيدة هارست والآنسة بنغلي والسيدة آنسلي, التي تعيش معها في لندن. وقد استقبلتهما جورجيانا بتهذيب شديد, ولكن بإحراج ناشئ عن خجل.

اكتفت السيدة هارست والآنسة بنغلي بانحناءة احترام لهما, وأعقب جلوسهما فترة صمت محرجة قطعتها أولا السيدة آنسلي, وهي إمرأة حسنة الهيئة أثبتت محاولتها لفتح موضوع للحديث أنها بالفعل أشد تهذيبا من أي من الاثنتين الأخريتين. واسترسل الحديث بينها وبين السيدة غاردنر, بمساعدة من إليزابيث عند الاقتضاء. وبدت الآنسة دارسي وكأنها تاقت إلى كسب شجاعة كافية للاشتراك فيه, فقالت أحيانا جملة قصيرة عندما لم يكن هنالك أي خطر من سماعها.

وسرعان ما وجدت إليزابيث أنها كانت مراقبة عن كثب من قبل الآنسة بنغلي. وبعد الجلوس لمدة ربع ساعة, تنبهت إليزابيث حين سمعت منها سؤالا باردا عن عائلتها. فأجابت بعدم اكتراث مماثل, ولم تنطق الأخرى بالمزيد.

كان الحدث التالي دخول الخدم وهم يحملون أطباقا من اللحم البارد والكعك وتشكيلة من أشهى فواكه الموسم. فتوفر توا عمل للجماعة, فهن إذ لم يستطعن جميعا أن يتحدثن, فقد استطعن أن يأكلن. وسرعان ما جمعهن حول المنضدة العنب اللذيذ والمشمش والدراق.

وبينما كن هناك, دخل السيد دارسي الغرفة. وكان قد قضى بعض الوقت مع السيد غاردنر ولم يتركه إلا حين علم أن السيدتين سيقمن بزيارة جورجيانا في ذلك الصباح.

وما أن ظهر حتى قررت إليزابيث بحكمة أن تكون هادئة تماما وغير محرجة. رأت أن شكوك الجماعة كلها قد ثارت ضدهما, وأن كل عين تقريبا قد راقبت تصرفه لدى دخوله الغرفة. لم يكن فضول أحد واضحا جدا مثلما كان فضول الآنسة بنغلي, بالرغم من الابتسامات التي ارتسمت على وجهها عندما تحدثت إلى السيد دارسي. فالغيرة لم تجعلها يائسة بعد, واهتمامها بالسيد دارسي لم ينته بعد. فقالت بكياسة ساخرة وقد تملكها غضب طائش:

"هل غادر الجنود مريتون يا آنسة إليزابيث؟ لا بد أن غيابهم يشكل خسارة فادحة لعائلتك".

لم تجرؤ على ذكر أسم ويكهام في حضور دارسي, لكن إليزابيث أدركت في الحال أنه كان بين أفكارها. بذلت جهدا لترد بهدوء على الهجوم الخبيث. ورأت, فيما كانت تتحدث, دارسي يراقبها بسورة من الغضب. عجزت أخته, وقد استبد بها الارتباك, عن رفع عينيها. لم يكن لدى الآنسة بنغلي أية فكرة عن الألم الذي سببته لصديقتها المحبوبة. وقد قصدت ففقط أن تحرج إليزابيث عن طريق التلميح إلى الرجل الذي ظنت أنها ميالة إليه_ وربما لتذكر دارسي بكل حماقات وسخافات عائلة إليزابيث.

على أن سلوك إليزابيث المتزن ما لبث أن هدأ من انفعال دارسي, وبدا أن أفكاره قد تركزت على إليزابيث بصورة مفرحة أكثر.

لم تطل زيارتهما كثيرا. وبينما كان السيد دارسي يصطحبهما إلى عربتهما أخذت الآنسة بنغلي تنتقد مظهر إليزابيث وتصرفها وهندامها. لكن جورجيانا لم تشاركها في ذلك. فقد كان خيار شقيقها كافيا. فهو لا يمكن أن يكون مخطئا, وقد تحدث عن إليزابيث بكلمات جعلت جورجيانا لا تقدر إلا على أن تجدها جميلة ولطيفة. وعندما عاد دارسي, لم تستطع الآنسة بنغلي إلا أن تكرر له بعض ما كانت تقوله لأخته.

"كم تبدو إليزابيث بنيت غير ودية في هذا الصباح يا سيد دارسي. لم أشهد في حياتي من أصابه هذا القدر من التغير. لقد أصبحت فظة جدا".

أجاب السيد دارسي ببرود أنه لم يلحظ أي تغير.

فأجابت: "لا بد أن أعترف بأنني لا أرى أبدا أي جمال فيها. فوجهها نحيف جدا. وعيناها, اللتان قيل إنهما جميلتان جدا في وقت من الأوقات, ليس فيهما أي شيء غير عادي. بل إنهما تنمان عن نظرة حادة بغيضة لا تروق لي أبدا, كما أن مظهرها برمته يكشف عن ثقة زائدة بالنفس لا تتمشى مع التقاليد المرعية , وهذا أمر بغيض".

لم يكن هذا الأسلوب الأمثل لكي ترضي الآنسة بنغلي دارسي, لكن الناس الغاضبين ليسوا حكماء دائما. وعندما رأته وقد بدا عليه الغيظ إلى حد ما, شعرت بأنها حققت كل ما كانت تتوقعه من نجاح. لبث صامتا, فعقدت العزم على دفعه إلى الكلام, وتابعت تقول:

"أذكر, عندما تعرفنا إليها لأول مرة في هارتفورد شاير, كم دهشنا جميعا من أنها معتبرة جميلة. أذكر بشكل خاص ما قلته ذات ليلة "هي جميلة!_ ما أسهل إذن أدعو أمها ظريفة!" ولكن بدا فيما نعد أنك تفكر فيها بشكل أفضل. أعتقد بأنك اعتبرتها جميلة نوعا ما في وقت ما".

قال دارسي وقد عجز عن الاستمرار في صمته: "نعم. لكن ذلك حدث عندما تعرفت إليها لأول مرة. ولقد اعتبرتها على مدى أشهر كثيرة واحدة من أجمل ما عرفت من نساء".

ثم رحل تاركا الآنسة بنغلي على اقتناع بأنها دفعته إلى قول شيء لم يسبب ألما لأحد سواها.

كبرياء وهوى  لـ جين اوستنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن