تكررت حفلة الطعام في روزينغز مرتين في الأسبوع. وكانت كل أمسية مثل الأولى تماما. كان لديهم بعض التسليات, لكن إليزابيث استمتعت بأحاديثها مع شارلوت وبالنزهات اللطيفة في الجوار.
كان من المتوقع أن يمضي السيد دارسي العطلة مع خالته. ومع أن إليزابيث أحبته أقل من كل الناس الذين عرفتهم, فقد تطلعت بلهفة لرؤية شخص جديد في حفلات روزينغز.
أسرع السيد كولينز في اليوم التالي على وصوله إلى روزينغز ليقدم احتراماته. أحضر السيد دارسي معه الكولونيل فيتزوليم, وهو ابن عمه اللورد مارلينغ. ولدهشة الجميع, عاد السيدان مع السيد كولينز عندما رجع من روزينغز.
لدى رؤيتهم من غرفة نومهما, هرعت شارلوت إلى البنات لتخبرهن عن الشرف القادم إليهن, وقالت: "أستطيع أن أشكرك يا إليزابيث على ذلك. فالسيد دارسي لم يكن ليأتي بهذه السرعة لزيارتي".
قلما كان لإليزابيث الوقت للقول أن هذا لا يمكن أن يكون صحيحا, قبل أن يدخل السادة إلى الغرفة. كان الكولونيل فيتزوليم في الثلاثين من عمره تقريبا. لم يكن وسيما, لكنه كان نبيلا جدا في مظهره وأخلاقه. بدا السيد دارسي مثلما بدا في هارتفوردشاير تماما. وقد قابل إليزابيث بهدوئه المعتاد, فانحنت انحناءة احترام من دون أن تتفوه بأية كلمة.
دخل الكولونيل فيتزوليم في الحديث مباشرة, ببساطة السيد, لكن ابن عمه جلس, بعد تعليقات قليلة, لفترة من الوقت من دون التحدث إلى أي شخص. أخيرا تحسنت تصرفاته كفاية ليسأل إليزابيث عن أفراد عائلتها. فأجابت أنهم بخير وأضافت تقول:
"أن أختي الكبرى في المدينة منذ ثلاثة أشهر. فهل رأيتها هناك؟"
كانت تعلم جيدا أنه لم يرها أبدا, لكنها رغبت في لأن ترى ما إذا كان سيظهر أية معرفة بما جرى بين آل بنغلي وجاين. شعرت أنه بدا محرجا قليلا حين أجاب أنه لم يقابل الآنسة بنيت. لم يستكمل الموضوع, وسرعان ما رحل السيدان.
مضت عدة أيام قبل أن يلتقوا دعوة أخرى إلى روزينغز. وقد قبلت الدعوة, طبعا.
بدا الكولونيل فيتزوليم سعيدا حقا بمشاهدتهم. وقد جذبته كثيرا صديقته السيدة كولينز الجميلة. فجلس بجانبها وتحدث بلطف شديد بحيث أن إليزابيث تسلت أفضل من أية مرة في تلك الغرفة. وكثيرا مل تحولت عينا السيد دارسي في اتجاههما وهما يتحدثان ويضحكان معا, فيما شاركت سيادتها في اهتمامه بعد فترة وقالت:
"عما تتحدث يا فيتزوليم؟ بماذا تخبر الآنسة بنيت؟ دعني أسمع".
"أننا نتحدث عن الموسيقى يا سيدتي".
"عن الموسيقى! إذن تحدث بصوت مرتفع أكثر. إنه موضوعي المفضل. لا بد أن أشارك في الحديث إن كنتما تتحدثان عن الموسيقى. هناك عدد قليل من الناس في إنكلترا يستمتعون, على ما أعتقد, بالموسيقى أكثر مني أو يملكون ذوقا أفضل. لو أنني درست الموسيقى لبرعت فيها. وكذلك آن, لو أنها كانت قوية كفاية لتدرس. أنا متأكدة من أنها كانت ستعزف بابتهاج. كيف نسير الأمور مع جورجيانا يا دارسي؟"
تحدث السيد دارسي بإطراء مفعم بالعاطفة عن شقيقته.
"أخبرها نيابة عني بأنها يجب أن تتمرن كثيرا. لقد أخبرت الآنسة بنيت عدة مرات أن عليها أن تتمرن أكثر. سيرحب كثيرا بقدومها إلى روزينغز كل يوم لتتمرن على البيانو في غرفة السيدة جنكينسون. فهي لن تكون في درب أي شخص في ذلك الجزء من المنزل".
بعد العشاء طلب الكولونيل فيتزوليم من إليزابيث أن تعزف له. جلست إلى البيانو واتخذ لنفسه مقعدا بجانبها. استمعت الليدي كاثرين إلى نصف الأغنية ثم تحدثت كسابق عهدها إلى ابن أختها. أخيرا ابتعد عنها بهدوئه المعتاد ووقف بجانب البيانو حيث تسنى له رؤية وجه إليزابيث.
أحسست إليزابيث بما كان يفعل فقالت له, عند أول توقف, وهي تبتسم:
"أنت تقصد إخافتي يا سيد دارسي بقدومك هكذا للاستماع إلي لكنني أرفض أن أكون عرضة للخوف. فأنا إنسانة عنيدة. وشجاعتي تزداد دائما عندما يحاول الآخرون إخافتي".
أجاب قائلا: "أنت لا تعتقدين حقا بأنني أرغب في إخافتك. فأنا إذ أعرفك كفاية منذ وقت طويل أعرف أنك تستمتعين بقول أشياء لا تؤمنين بها حقا".
ضحكت إليزابيث إزاء هذه الصورة عن نفسها وقالت للكولونيل فيتزوليم: "إن ابن عمك سيعلمك أن لا تصدق أية كلمة أقولها. فأنا سيئة الحظ بشكل خاص لأنني التقيت شخصا قادرا على كشف شخصيتي الحقيقية في هذا الجانب من العالم. في الواقع, يا سيد دارسي, إنه لمن غير الحكمة أن تذكر الأخطاء التي اكتشفتها في عندما كنت في هارتفورد شاير. فأنت تغريني لأتكلم عنك".
قال مبتسما: "أنا لا أخافك".
صاح الكولونيل فيتزوليم: "دعيني أسمع بما تتهمينه. أود أن أعرف كيف يتصرف بين الغرباء".
"تهيأ إذن لشيء مروع جدا. إن المرة الأولى التي رأيته فيها في هارتفورد شاير كانت في حفلة راقصة ـ وفي هذه الحفلة, ماذا تظن أنه فعل؟ رقص أربع رقصات فقط! يؤسفني أن أسبب لك الألم ـ لكن هذا ما حصل. رقص أربع رقصات فقط مع أن, حسب معلوماتي, عدة سيدات شابات كن جالسات بانتظار رفيق. لا يمكنك إنكار ذلك يا سيد دارسي!"
"لم أحظ بشرف التعرف إلى أية سيدة عدا مجموعتي الخاصة".
"صحيح. لكن ألم يكن من الممكن تقديمك؟"
قال دارسي: "ربما كان ذلك أفضل. لكنني لا أشعر بالارتياح بين الغرباء".
سألت إليزابيث الكولونيل فيتزوليم: "هل لنا أن نسأل ابن عمك عن السبب؟"
قال فيتزوليم: "أستطيع أن أجيب عن سؤالك من دون أن أطلب منه ذلك. إنه لا يتحمل المشقة".
قال دارسي: "ليست لدي بالتأكيد الموهبة التي يتمتع بها بعض الناس في الحديث ببساطة مع أناس لم يسبق لي أن شاهدتهم من قبل. لا أستطيع أن أتابع حديثهم أو أن أبدو مهتما بهم مثلما يفعل الآخرون".
قالت إليزابيث: "لا تتحرك أصابعي على هذا البيانو بسهولة مثلما تفعل أصابع نساء أخريات. لكنني اعتقدت دائما أن هذا هو خطأي ـ لأنني لا أتمرن كفاية".
ابتسم دارسي وقال: "أنت على حق تماما, وقد استغليت وقتك بشكل أفضل. فما من أحد حظي بمتعة الاستماع إليك, يستطيع أن يفكر في أن هناك أي شيء ناقص".
قاطعتهم الليدي كاثرين, التي تابعت ملاحظاتها حول عزف إليزابيث, مع إرشادات كثيرة, إلى أن أصبحت عربة سيادتها جاهزة لنقلهم إلى البيت.
أنت تقرأ
كبرياء وهوى لـ جين اوستن
Storie d'amoreترتكز أحداث الرواية حول إيلزابيث بينيت_الإبنة الثانية من بين خمسة بنات لرجل ريفى. كما أن السيد بينيت عاشقاً للكتب. ففى بعض الأحيان يتجاهل المسؤليات التي تقع على عاتقه. أما عن السيدة بينيت فهى إمرأة تفتقر التصرف الإجتماعى اللائق. بالإضافة إلى أن إيجا...