الفصل الثامن والعشرون أفكار جديدة

1.8K 106 0
                                    




في الصباح التالي جذبهم إلى النافذة صوت عربة خارج الفندق فرأوا سيدا وسيدة يقودانها في الطريق. أدركت إليزابيث على الفور من هما وفاجأت قريبيها بإخبارهما بالشرف الذي تتوقعه. استولى الذهول على خالها وزوجة خالها, وأدى ارتباكها في الحديث إلى أن تتكشف لهما فكرة جديدة عن المسألة. لم يوح بها أي شيء من قبل ولكنهما أحسا آنذاك أن التفسير الوحيد لمثل هذه الاهتمامات من قبل هذا الشخص هو أنه يميل إلى إليزابيث. وبينما كانت هذه الأفكار الجديدة تراودهما, كانت لهفة إليزابيث تتزايد في كل لحظة. ذهلت من اضطرابها. وخشيت من أن يكون السيد دارسي قد قال الشيء الكثير لصالحها. ولأنهل تلهفت كثيرا لتفرح الآخرين, كان من الطبيعي أن تخشى من أن مقدرتها على فعل ذلك ستخذلها.

تراجعت عن النافذة خشية أن تشاهد, وبينما كانت تذرع الغرفة جيئة وذهابا, محاولة أن تهدئ من روعها, رأت نظرات دهشة متسائلة في عيون خالها وزوجة خالها, الأمر الذي جعل كل سيء يبدو أكثر سوءا.

ظهرت الآنسة دارسي وشقيقها, وتم التعارف المرعب. رأت إليزابيث بدهشة أن الآنسة دارسي كانت محرجة بالقدر الذي كانت هي عليه. وكانت قد سمعت أن الآنسة دارسي شديدة الكبرياء. ولكنها اقتنعت بعد مراقبتها لدقائق قليلة بأن الفتاة شديدة الحياء. وقد وجدت أنه من الصعب أن تحصل منها على أكثر من كلمة واحدة في كل مرة .

كانت الآنسة دارسي أطول قامة من إليزابيث, ومع أنها في السادسة عشرة من عمرها فقط, فقد كان في مظهرها أنوثة ورشاقة. كانت أقل جمالا من أخيها, لكن كان في وجهها ما يوحي بالتعقل والطيبة, وكانت تصرفاتها طبيعية ولطيفة تماما.

لم يطل بهم المقام حتى سمعت خطوات سريعة أخرى على الدرج, ومن ثم دخل بنغلي الغرفة. كان غضب إليزابيث عليه قد ترشى منذ زمن طويل. ولكن حتى لو كانت ما تزال تشعر بأي منه, فإنه ما كان ليبقى حيا إزاء ما أبداه من مودة. فقد سأل بطريقة ودية عن عائلتها, وتحدث بالبساطة المبهجة نفسها التي ميزته دائما.

كان مثيرا للاهتمام بالنسبة إلى السيد والسيدة غاردنر مثلما كان بالنسبة إليها. فقد رغبا في رؤيته منذ وقت طويل. والحق أن المجموعة التي كانت أمامها أثارت فيهما انتباها يقظا. فالشك الذي شعرا به تجاه السيد دارسي وإليزابيث أدى بهما إلى مراقبة كل منهما باهتمام. وما لبثا أن اقتنعا بأن واحد منهما على الأقل أدرك معنى الحب. أما بالنسبة إلى مشاعر السيدة فقد ساورهما شك طفيف. ولكن كان من الواضح أن السيد يطفح بالإعجاب.

حلقت أفكار إليزابيث بشكل طبيعي إلى شقيقتها حين رأت بنغلي, وكم تاقت إلى معرفة ما إذا كانت بعض أفكاره قد اتجهت إلى الاتجاه نفسه. راقبت تصرفه مع الآنسة دارسي, التي قبل أنها منافسة لجاين. لكن لا شيء بينهما أظهر أية عاطفة خاصة. ولا شيء بينهما برر أمل شقيقة بنغلي. بل إن ملاحظتين بسيطتين أو ثلاث منه أظهرت تذكره لجاين_ ورغبة في التحدث عنها أكثر, لو كان تجرأ على القيام بذلك.

لم تتمكن إليزابيث من النظر إلى السيد دارسي نفسه, ولكنها عندما فعلت رأت تعبيرا عن الإرادة الطيبة عموما. وعندما رأته هكذا, في صحبة الأشخاص الذين, منذ بضعة أشهر, كان الحديث معهم مدعاة للعار, وعندما رأته مهذبا جدا مع الأقارب أنفسهم الذين احتقرهم صراحة_ وتذكرت المشهد المثير الذي كان آخر ماجمع بينهما في هانسفورد_ لم تتمكن إلا بصعوبة من إخفاء دهشتها. لم يسبق لها أن رأته متلهفا هكذا على إرضاء من حوله أو متحررا من الشعور برفعة منزلته.

عندما نهض الزائرون للانصراف, دعا السيد دارسي وشقيقته السيد والسيدة غاردنر والآنسة بنيت إلى العشاء بعد يومين. ولما كانت متلهفة على الانفراد بنفسها, وخائفة من أسئلة خالها وزوجة خالها أو تلميحاتهما, فقد بقيت إليزابيث معهما وقتا كافيا فقط لسماع رأيهما الجيد في بنغلي. ثم انصرفت عنهم بعجلة. كانت أفكارها متجهة إلى بمبرلي في تلك الأمسية, التي لم تكن كافية لحسم أمر مشاعرها تجاه السيد دارسي. استلقت مستيقظة طوال ساعات وهي تحاول أن تحسم الأمر. من المؤكد أنها لم تكن تكرهه. فالكراهية له. أما الشعور بالاحترام الذي نشأ عن معرفة صفاته الحميدة فقد اعترف به بكل طيبة خاطر. ولكن قبل كل شيء, قبل الاحترام, كان هنالك سبب آخر للنية الطيبة. إنه الاعتراف بالجميل. الاعتراف بالجميل ليس فقط لأنه أحبها ذات مرة, ولكن لأنه ما زال يحبها بالقدر الذي يمكنه من الصفح عما بدر منها من رفض قاطع واتهامات باطلة. وبدلا من أن يتجنبها بوصفها ألد أعدائه, بدا متلهفا لاستئناف العلاقة بينهما. ومثل هذا التغير في رجل يتصف بالكبرياء لم يثر الدهشة فقط, بل الاعتراف بالجميل أيضا_ لا بد أن يكون ذلك من جراء الحب, الحب المتقد. فاحترمته وقدرته واعترفت بجميله. وأحست باهتمام حقيقي بسعادته.

كبرياء وهوى  لـ جين اوستنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن