01. بداية كُلّ شيء

710 46 152
                                    

' كان ياما كان..حكاية هي جُزء من عالمِنا و واقعِنا'


مِن بين السّتائِر الثقِيلة اندفعَت خُيُوط مُضيئة لتسقُط على أرضِيّة الغرفة الخشبية، شابّة ثلاثينيّة دخلَت بخُطواتٍ هادِئة و سارَت حتّى وصلَت إِلى النّوافِذ الكبيرة لتُزيح الستائر سامِحة للمزيد من الضوء بِدخول الغرفة، ربطت أطراف الستائر إلى إطار النافِذة و اتجهت للنافذة المجاورة لفعل نفس الشيء ليغمُر الغرفة الواسعة ضوء الصباح.

تحرّكت الشابة لترفرِف حولها تنُّورتها السوداء التي يعلوها مئزر أبيض طويل، وقفَت قُرب نهاية السرير بسُكون لفترة.

تحت الغطاء انكمش جسدها بتملمُل ليصدُر صوت خافت لاحتكاك ثيابها بأغطية السرير الناعمة، ثمّ هدأت، تحدّثت الشابة الثلاثينية بنبرة مُنخفِضة و طريقة ترنيميّة:

" سمُوّكِ، صباح الخير". قالت ببهجة.

فتحت عينيها و هي ما تزال تحت الغِطاء، بِكسل و تثاقُل مدّت يدها لتُبعِد الغِطاء عن رأسِها فينكشِف وجهُها الناعِس و المُتجهِّم.

" صباح الخير ماري" قالت بِصوتٍ مبحُوح قلِيلا من أثر النّوم. ما زال نظرُها مُشوّشاً قلِيلا لكنه استقر أخيراً على الخادِمة التي تقف عند نهاية سريرها، تقف باستقامةو تشبك يديها بأدب أمامها تعلُو وجهها المُنمّش ابتِسامة صغِيرة، لطالما أخفت شعرها البني المائِل للحُمرة تحت قبّعتها القُماشيّة البيضاء.

" سموّكِ، الحمام جاهِز". قالت ماري بنفس نبرتِها الهادئة، أومأت لها ب" حسنا" و راقبتها و هي تخرُج و تُغلق الباب خلفها. ما زال رأسُها غائِصاً في الوسائد الوثِيرة و هي تجِد صعوبة في رفعِه تُريد مواصلة النوم، و لكي تطرُد تلك الرغبة أرغمَت رأسها على الابتعاد عن الوسائد بصُعوبة و زحفت عبر السرير، كان صباحاً هادئاً جدّاً، شعرُها كان مبعثراً لدرجة لا تُصدّق. وصلت لحافّة السرير و نزلت لينسدِل ثوبها الطويل و يُغطّي قدميها وصُولاً للأرضيّة، راحت تُخلّل أصابِعها في شعرِها محاوِلة ترتيبه و عيناها شبه مُغمضتين.

دارت حول السرير لتصِل إلى النّافذة الكبيرة قرب رأس السرير و المُطِلّة على الحديقة الأماميّة الشاسِعة، جلست أرضاً تضُم ساقيها تحت ثوبها و أخذت تُحدّق في السّماء الزرقاء و الحيوِيّة جدّاً هذا اليوم. المكان كان هادئاً لدرجة أنّه خُيّل لها أن بإكانِها سماع ذرات الغُبار التي تطوف في الهواء حولها، نبضات قلبِها، أنفاسِها بالطبع و صوت أصابعها تتخلّل بين خصلات شعرِها مُحاولة ترتيبه.

كسر الهُدوء صوت الباب و هو يُفتح و تدخُل منه ماري تدفع أمامها عربة مُدولبة صغيرة على سطحِها صينيّة اصطفّت عليها أواني الشاي بطريقة أنيقة. توقّفت ماري أمام منضدة خشبِيّة صغيرة و بدأت بِرصّ أواني الشاي عليها. نهضَت هي عن الأرض و اتّجهت ناحية الحمام، راقبَت ماري سيّدتها و هي تسير بتثاقُل و تجُر خلفها ثوبها الفضفاض الذي لا يُناسبُها، مع هيئتها تلك و شعرِها المبعثر انتابت ماري رغبة في الضحِك لكنّها تمالكَت نفسها.

 الرباط الدامي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن