03.5.إنتِماء

210 23 122
                                    


" و ماذا يعنِي ذلك؟!"

سأل الملِك واضِعاً قدماً على أخرى و مُريحاً ظهره إلى الأريكة ليأخُذ رشفة مِن فنجانِه، واصلَت آشلي:

" إسألها هي! حتّى أنا لم أفهَم عليها، بقِيَت تقُول أشياء مِثل أنّ هذا ليس مكانها و أنّها لا تنتمِي إلى هُنا، أتُصدِّق؟!!".

ختمَت حدِيثها بنبرة غير مُصدِّقة.
لم يستجِب الملِك في البداية و ظلّ ينظُر إلى كايتا بثبات ما وتّرها، سألها فقط ليتأكّد مِن الأمر:

" هل هذا صحِيح، كاي؟".

لم ترفَع كايتا نظرها عن الأرض و بقيَت تلعَب بأصابِع كفّيها بتوتُّر ظاهِر، ماذا ستكُون ردّة فِعل الملِك إن أكّدَت له كلام آشلي؟ هل سيعتبِر هذا تمرُّداً أم أنّه سغضَب أو يحزَن؟ و لِمَ اختارَت آشلي قول هذا الكلام أمام الغرِيب؟!!
في النّهاية تنهّدَت باستِسلام لتقُول مُستعِدّة لأي ردّة فِعل:

" حسناً..نعم، أعني أحياناً، الأمر هو..لا أدري حقّاً ما أقُول".

لحظة مِن الصّمتِ بين نظرات آشلي المُنزعِجة و سكُوت الملِك و عدم إتيان نيغولاس بأي حركة تُوحِي بأنّه حي حتى، نظر إليها ملِيّاً حتّى طال انتِظار آشلي له كي يقُوم بتأنيبِها، لكِنّه فقط ابتسم، ابتسامته المعهُودة حتّى برقَت عيناه، و لوهلة نسِي نِقاشه في فترة ما بعد الظُّهر، لم تُصدِّق كايتا عينيها، تعلَم جيّداً أن ابتِسامته هذه لا تعنِي أنّه مُستاء أو غاضِب، آشلي لم يُعجِبها الأمر.

" ماذا يجعلُكِ تشعُرِين هكذا؟" سأل الملِك بنبرة هادئة لا تحمِل أيّ لوم، هدأَت كايتا قلِيلا و استرخَت لتقُول بنبرة خافِتة:

" لا أدرِي حقّاً ما أقُول، إنّه فقط شُعُور مُبهم يعترِيني أنّي لا أنتمِي إلى هُنا".

لم تزُل ابتِسامة الملِك بل تحوّلت لأخرى مُتعاطِفة، و لقد كان سيتحدّث لولا أن قاطعه صوت آخِر شخص توقّعوه أن يتحدّث تِلك الليلة:

" الانتِماء لا يكُون للأماكِن بل للأشخاص" قال بهُدُوء و نظره موجّه إلى كايتا، كانَت تِلك أوّل مرّة تسمع فيها صوته، صوت هادِئ مع بحّة خفِيفة، احتدّت نظرات كايتا لتقُول و قد بدا أن توتُّرها قد زال تماماً:

" مُثِير سماع هذا مِن قومٍ لا يكادُون يُغادِرون أراضِيهم!" قالت بسُخرية لاذِعة، لم يُظهر نيغولاس أي تعبِير و ردّ عليها بآليّة تامّة:

" المكان لا يُشكِّل مُعضِلة كبِيرة بالنِّسبة للعشِيرة، فانتِماء أفراد العشِيرة يكُون لِبعضِهِم و ليس للمكان حيث يعِيشون، و إن كُنتِ تشعُرين بالغُربة فذلِك يعُود للأشخاص مِن حولِكِ و ليس المكان".

لم تُعجِبها نبرة حدِيثه، كيف له أن يتحدّث بهذه الطّريقة إلى شخص لم يُقابِله إلّا صباح اليوم؟!

 الرباط الدامي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن