" عن أي استقرار تتحدث؟!!..أنت تعيش على قِشرة بيضة تموج بِداخلها الصُّهارة!"
هل فكّرَت أنها لا تشعُر بالانتِماء من قبل؟! لا،هي حتماً لا تنتمي لأيِّ مما حولها، كانت تُدرِك أنّها غرِيبة عن الآخرين، ليسَت مرِحة ساخِرة كالملِك، ولا حادّة الطّباع مثل الملِكة الفاتِنة، أو باسِمة مُحِبّة للتّحدّي و سحق المُنافسين كآشلي، ليسَت كمارِي و حتماً ليسَت كأفراد المجلِس الذين لم تُقابِلهم، بعد. كانَت تسأل نفسها مراراً سؤالا تخشى أن يسمعَه أحد حتّى بينها و بين نفسِها: من هي؟ أو ما هي؟! ماذا عن والديها؟ ماذا فعلا حتّى لا يتحدّث عنهما أيّ أحد؟ حتى الملِك الذي سمِعَت أنّه كان مُقرّباً جدّاً من والِدها الرّاحِل.
إذا فكّرَت في نفسِها تتبادَر عدّة صور إلى ذِهنِها: قطعة حلوى برتقاليّة في طبق مليء بالحلوى البيضاء، فزّاعة وسط حقل أزهار، أو حجر أسود و سط حائط ذي طوب أحمر، لكِنّها أبداً لا تُخبِر أحداً عن ما يعتمِل داخِلها، آشلي كانَت الوحِيدة و الآن بسببها يعرِف الملِك و ذلك الغرِيب.
كانَت تسِير عبر الرّواق المُوصِل إلى البهو أمام المكتبة ثُمّ التفتَت لِترى نيغولاس يسير بهدوء على بُد مترين ورائها. كانَت قد قرّرَت تجنُّبه تماماً منذ يوم التّدريب ذاك، عدا عن أوقات الطّعام، و قد نجحَت في ذلك مُدّة أسبوع كامِل عن طريق البقاء في غُرفتِها و عدم فِعل شيء، غير الغرق في أفكارِها، فكّرَت في كيف يبدو المكان خارج القصر، حاولَت تخيُّل أرضٍ يكسُوها الجلِيد و الثّلج أو صحراء برِمالٍ و شمسٍ حارِقة، فترة ما قبل الحرب العُظمى، كيف أن بعض النّاس لا يُشبِهون آباءهم، هل يُحبّونهم يا تُرى رغم ذلك؟!!، الحياة في فترة ما قبل الحرب العُظمى، فأر الحقل الذي وجدته يوماً و جاءَت بِه إلى غُرفتها لِتصرُخ المِسكينة مارِي فزعاً عِند رُؤيتِه، ماذا حلّ بِه و أين أخذوه؟، الحرب العُظمى!!!
كيفما فكّرَت تجِد أفكارها تدور لتصطدم بِنفس النُّقطة المُحرّمة إلى أن سئِمت و ملّت و قرّرَت الخُروج، كانَت تُريد الهرب من نفسِها. لذا توجّهَت للمكتبة و دارَت بين الأقسام لتقِف و تسحَب كتاباً ذا غِلاف أخضر داكِن سمِيك، لم يحمِل على قاعِدتِه عُنواناً فسحبَته لترى الغِلاف، لم يكُن هناك عنوان أيضاً، عقدَت حاجبيها باستِغراب لتُقلّبه بين يديها فلا شيء ظاهِر سِوى رسمٍ ذهبِيّ لشيء لم تستطِع تبيانَه يبدو أنّه شِعار المطبعة أو دارِ النّشر، فتحَت الكِتاب على أوّل صفحة، صفحات الكِتاب كانت مُصفرّة و قدِيمة تُناقِض غِلافه الفخم الجدِيد، قرأَت: رِجالٌ من الظِّل..رواية..دان آرمانوف.
لم يُقابِلها اسمُ المُؤلّف من قبل، و اسم الكِتاب كان إلى حدٍّ ما..غريباً؟ جمِيع الرِّوايات و القِصص التي تقرأها تحمِل عناوِين مثل: المرج السّعيد، السّمكة الحائِرة( تلك التي تجد لنفسِها هدفا في النّهاية)، الوادِ الملوّن، العجوز أناند و بكرة الخِيطان الذّهبيّة، ناني الصّغيرة( التي توزّع الأزهار على الناس فيشعرون بالسّعادة)، جميعها كانت تنتهِي نهايات سعِيدة تُرضِي القارِئ بعد أن تجِد الشّخصيّة الرئيسيّة' المُرشِد' الذي يُغيّر حياتها نحو الأفضل، لم تعترِض يوماً على ذلك، ربّما أرادوا أن يزرعُوا فيها حبّ الخير و مُساعدة الآخرين، لكِنّها كانت تقرأ دون تعابير و بِرتابة و بعد انتِهائِها تقُوم لِتشعُر أن رأسها ثقِيل أصمّ.
أنت تقرأ
الرباط الدامي
Mystery / Thriller- ما هو الذي يجعلُنا بَشَراً بِرأيك؟ - لا أدرِي... رُبَّما تِلك التَّناقُضات و الصِّراعات التي نخُوضُها مع أنفسِنا و التي تُحدِّد ما نحن عليه، ففِي نفسِ الشَّخص تجِد الخير و الشَّر، الكُره و الحُب، اليأس و الأمل، السَّعادة و التَّعاسة، الحنِين و ال...