الرباط الدامي

6.5. أحاديث مُنتصف الليل

في جلستهما التّالية تحدّثت كايتا أولا قبل أن يقول نيغولاس أيّ شيء:

" إنتظر، قبل أن تبدأ أجب على سؤالي فيما يتعلّق بحديث الأمس..كيف يمكن الإطاحة باقتصاد بلد كامل دون أن ينتبه أحد من أصحاب الشأن في البلد؟!" أمال نيغولاس رأسه جانباً ليقول:

" أصحاب الشّأن يمكن كذلك السيطرة عليهم، إما بإرادتهم أو قسراً، و إذا لم يستجيبوا فيمكن فقط تصفيتهم"

إنه يتحدّث عن الأمر ببساطة! فكّرت كايتا بغيظ لتتنهّد أخيراً و تقول:

" حسناً يمكنك الحديث"

" لم يبقَ الكثير كي أحدّثكِ عنه، فقط كلام قليل عن الحروب.."

" الحروب؟!!" صاحت كايتا بغير تصديق، أراح نيغولاس ظهره إلى الكرسي ليشبك أصابعه أمام صدره و يقول:

" أنتِ لم تكوني تظنين أن الحروب تشتعِل من تلقاء نفسها صحيح؟!" فتحت كايتا فمها لتقول شيئاً لكن لم يكن هناك ما يقال، إذا كانت حتى الحروب تُدبّر فهذا كثير حقاً!.

" الحروب وسيلة فعّالة لإخضاع المجتمعات، لا يعني هذا بالضرورة أن جميع الحروب على مرّ التاريخ مدبّرة، إذ أن الصّدام من صفات البشر.."

" كم يبلغ عمر هذا الكيان؟!! أعني منذ متى و هو موجود يدبّر المكائِد للبشر؟!!" سألت فجأة باندِفاع مقاطعة نيغولاس بعد أن تذكّرت شيئاً كان يجب أن عليها السؤال عنه منذ يومين، رفع نيغولاس حاجبه الأبيض ليقول لها:

" ليس من الأدب مُقاطعة الناس أثناء حديثهم، لا داعي للعجلة سأحدثك عن هذا في نهاية الجلسة"

لأول مرّة فكّرت أن نيغولاس يعرف الكثير حقّاً! لقد شرح لها كلّ شيء إلى الآن بسلاسة و بساطة لم تحتج هي معها الكثير من الجُهد لتفهم عليه،هذا الشّخص يخفي بعض الأشياء، و لأوّل مرة أيضاً تجد نفسها تتساءَل عن هويّته الحقيقيّة.

" لنعُد لموضوعنا، الحروب الدّاخلية في البلد ليست أمراً صعب الإحداث، ففي كلّ مكان هناك أنواع مختلفة من الأنماط البشريّة، سواء كانت عرقيّة أو عقائديّة أو مذهبيّة، لذا فالاختِلاف سِمة أساسيّة في كلّ المجتمعات الإنسانيّة، المشكلة تكمن في أن هناك من البشر من لا يتقبّل الاختلاف، لذا فالتاريخ يزخر بالنّزاعات القبليّة و الصراعات العقائديّة، و كلّها يحركها التعصّب للجهة التي تنتمي إليها مع عدم تقبّل الآخر. إذاً في بيئات كهذه هناك شرارة جاهزة لبدء صراعٍ ما، فما عليك الآن إلا اللعب على الجانبين حتى يحصل صِدام يؤدّي إلى حرب داخليّة. نفس الشيء يمكن تطبيقه بطريقة أخرى، يمكنك زرع فتنة بين الشّعب و القوّة الحاكمة، سيثور الشّعب على السلطة و يحدث صدام بين الجهتين.. الشّعب المتمسّك بمطالب معيّنة يريد أن تتحقّق، و القوّة الحاكمة، و الحاكم الذي يهتمّ بمصالحه الشّخصيّة و الذي سيفعل أيّ شيء ليبقى على رأس السّلطة، و هذه أسهل طريقة لإضرام النّار في بلدٍ ما"