07. هايغراد و يوليا

135 13 86
                                    


'هل نظرت مرّة إلى عيني شخص ما و شعَرت أنّك تنتمي إليهما؟'

بعيداً عن نظام الممالك العُظمى، و في خطّ قارّيّ يجعل البلدان المارِقة تبدوا و كأنها محشورة بين أورانيا و أرض الحرّاس و قد اصطفت على بعد أميال من بعضها، لا شيء أبداً يشبه ما بداخل الممالك الثلاث.

سهل أجرَد عظيم يفصل بين بلدتين توقّف الزّمن عندهما. لا يمكنك التمييز في أيّ فترة تموج تلك الأحياء المتلاصقة التي تشكل مجتمعات إنسانية.

حتى ذلك الوقت بقيت البلدتان في صِراع أزليّ و دائم لم يعرف أحد سببه، أو متى بدأ، أو إذا كان سينتهي يوماً. جيلا بعد جيل، تعلّم أهالي يوليا أن سكّان هايغراد هم أعدائهم، و العكس.

يكبُر شباب البلدتين على كُره جيرانهم دون أن يعرفوا السّبب، فحتّى مع اندِثار الأجيال الأولى و تجدّد النسل لم يختفِ ذلك العداء القديم قطّ، إنهم فقط عالقون في دائرة من الصِّراع الذي لا يدري أحد أين نهايته.

لكِن مؤخّراً، السّهل الأجرد الذي شهِد معاركهم و ارتوَت تربته بدماءٍ من كلا الطّرفين، مؤخّراً شهِد أيّاماً مُسالمة و هادئة بسبب الهُدنة التي أقيمت بين الأعداء منذ سبعة أشهر، بدأ الأمر و كأنهم يريدون أخذ إجازة عمل كي يستطيعوا البدء من جديد و مواصلة الصّراع، و بما أن الهدنة أمر نادر الحدوث فقد لقيت معارضة حادّة من كِلا الطّرفين، لأن استمرارية العداء أمر مفروغ منه بالنسبة لهم، حتّى أن البعض صار يؤمن أنه من المسلّمات، كالليل و النهار، أو الحياة و الموت.

خارِج أسوار مدينة هايغراد تقبع قرية مُصغّرة هي ثكنات جيشِها المُستعِد دوماً، رغم أن المسافة بينها و بين أسوار المدينة يمكن قطعها في ساعتين من السّير إلا أن المجنّدين نادراً ما يغادرون ثكناتهم، حتى في أثناء الهدنة، و من يُغادر ينوب عنه زميل له، هم قومٌ مجبولون على القتال فقط!.

كانت الثّكنات عبارة عن غُرف ضيّقة متجاوِرة بتخطيط عشوائي، أكواخٌ خشبيّة بنافذة واحدة و أسقُف من الصّفيح، المباني الواسِعة كانت ترسانة الأسلحة و حجرة الطعام الخشبيّة.

أشياء كالصّحّة العامّة و النّظافة هي أمور ثانويّة في مكان كهذا، لذا فالوحل يملأ الشّوارع الضيّقة على الدّوام و يصعُب على سائق عربة المؤَن الدّخول، و إذا كنت طويل القامة سيصعُب عليك التجوّل بينها بسبب حبال الغسيل المعلّقة هنا و هناك، و بسبب كلّ ذلك فإن هناك أمراضاً شِبه متوطّنة في تلك الثكنات الضيّقة.

لكن لا أحد يشتكي و يعيش المجنّدون حياتهم بأعلى معنويّات، يضحكون و يتسامرون و يلعبون، إنهم يمجّدون هذا الواقع الذي يعيشونه.

أو على قول أعيان البلدة: إن قاتلت العدوّ الغاشِم فهو شرف، و إن متّ فلا شرف أعظَم!.

إنّه الصباح، و في واحدة من الحُجرات الضيّقة كان يجلس أحد الجنود على سريره المُلتصِق بالحائِط الخشبيّ و عن يمينه نافِذة تطلّ على مرجٍ أخضر صغير يحوي بعض الأزهار البرّيّة، كان يُمسك بين يديه كتاباً سميكاً ذا غِلاف أزرق باهِت قد اهترأ قليلا، اصفرّت أوراقُه و ذبُلت لتتمزّق عن أساسه بعدما عادت غير قادِرة على التمسّك بِه.

 الرباط الدامي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن