09. هويّة

76 10 166
                                    

'أنت، نعم أنت إقترب، الآن أنظر إلى عيني مباشرة و أجبني بصدق..هل تعرف من تكون؟'


بعينين متّسعتين قرأت نارا كريستوفيان الأسطر القليلة التي خُطّت على ورقة بيضاء صغيرة، لقد هربت الأميرة كايتا؟!.

الغرفة كانت عارفة في سكون تامّ إلى أن دوّت بعد لحظات ضحكات الملِكة غير المصدِّقة في أركانها، لقد حدث ذلك بالفعل!، مصدرها في القصر الملكيّ بأورانيا أخبرها بالأمر بعد يومين من حدوثِه، و بكلمات موجزَة وصف لها الفوضى التي تعمّ القصر، ولا شك أن المجلِس أرغى و أزبد و غاص في الفوضى، و هي التي استغربَت لِمَ كثُر الحرس حولها فجأة! إنهم يخافون أن تهرب هي أيضاً.

بعد نوبة الضّحك المدوّية هدأت قليلا و هي تعيد قراءة الورقة مراراً و بقايا قهقهة في صدرها، ابتسمَت و هي تغمض عينيها، جعّدت الورقة بين أصابعها و حشرتها في جيبها، فلا داعي لبقاءها هي أيضاً!
عليها الخروج و إيجاد إخوتها، من كان ليتصوّر أن الأمور قد تتطوّر بهذه السّرعة!.

بنطال أسود، قميص أبيض مذهّب تعلوه سترة بلون أصفر هادئ، قامت بلفّ شعرها الأحمر الطويل أعلى رأسها و خرجت من باب غرفتها الأبيض بكلّ بساطة.

عندما رآها الحرس تبادلوا النظرات المرتابة و تشجّع أحدهم ليسألها:

" جلالة الملكة، إلى أين؟!"

إلتفتت إليهم لتهتف بابتِسامة صغيرة:

" أنا خارِجة من هنا.." اتّسعت أعين الحرس ذوي الدروع الفضّيّة المذهّبة، واصلت نارا بنفس الابتِسامة و بنظرة لم يتحرّكوا تحت وطئتها:

".. و لن لكون في صالحكم إن حاولتم منعي" ليتعالى بعد فترة من الجمود صوت طرقات حذائها على الأرضيّة الرخاميّة سائرة بتؤدة، تارِكة الحرس يصارعون أنفسهم..الملكة قد أعلنت صراحة أنها ستخرج من القصر و من واجبهم منعها حتى من مغادرة جناحها، كان ذلك لينفع مع امرأة عاديّة لكن كونها هي نارا كريستوفيان فقد جعلهم يتردّدون حتى في إطاعة القوانين، فإما أن يلحقوا بها و يعرّضوا أنفسهم للخطر الفوريّ، أو يتخاذلوا عن تأدية الأوامِر و يواجهوا الإعدام لاحقاً.

لكن الشيء الذي جعلهم يفضّلون خيار الموت مستقبلا كان النظرة التي رمقتهم بها، نظرة لا تنتمي إلى إنسان، و من يعرفون من أو ما تكون جيّداً لن يخاطروا بالتحرك.

تابعت نارا شقّ طريقها ببطء و ثقة تحت نظرات الحرس المتوتّرة من الابتِسامة الصغيرة التي تشق وجهها بهدوء، بين الأزقّة و الأروِقة البيضاء النّاصعة، لم يوقفها أحد..لا الحرس الواجمون ولا الخادمات المذعورات، اتّجهت لجهة معزولة تماماً عن باقي مباني القصر في ركنٍ قاصٍ منه لم يحتوِ على حرس خارجه، عندما دفعت الباب الخشبي العملاق ظهرت من خلفه قاعة شاسِعة و خاوية، و على عكس باقي الأماكن في القصر لم يصلها ضوء الشمس، لا من نوافذ ولا فتحات أسقف، في نهايتها و مقابل الباب العملاق قبع باب آخر متوسِط الحجم استطاعت رؤيته حتى من بين السّتائر الحمراء الداكِنة و السّميكة، أزاحتها جانباً و وضعت يدها على السطح االخشبيّ البارد ثمّ وجهت لكمة قويّة للباب خلعته دفعة واحِدة إلى أن تهاوى أسفل الدّرج الطويل الذي يمتدّ أسفله.

 الرباط الدامي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن