بسبب القوّة الفائقة التي تفوق استيعاب البشر، ما رءاه الجنود البائسون في ساحات المعارك قبل هلاكهم كان أشبه بنبوءة مظلمة عن نهاية الإنسانية بطريقة دامية، لقد نزلوا بساحات المعارك من الأعلى كوباء الطاعون الأسود مثيرين الذّعر في النفوس ثمّ الموت في الأرجاء، من العار أن نطلق على ما حدث آنذاك 'معركة متكافئة الأطراف'، لقد كانت فقط حرب استنزاف للبشر أنفسهم و على يد إخوانهم، كانت أضخم سلسلة من الإبادات الجماعيّة التي ارتكبت في فترات متقاربة بحقّ ملايين الجنود و حتّى بعض المدنيين.حملة الكيوس لم يشكّوا أن ما يفعلونه منافٍ للفطرة و الأخلاق الإنسانيّة بل قاموا -حسب الأوامر- بتصفية كلّ ما تمّ تحديده لهم من أهداف.
إلى جانب كنس الفوضى التي صنعها الحكماء، هم أرادوا لهذا الفعل أن يترك أثره النفسيّ عميقاً في وجدان البشر الباقين، كلّما سكن الذعر و الجزع و اليأس جوف المرء كلّما كان سهلا السيطرة عليه، حتّى طريقة إنزالهم بذاك الشكل العجائبيّ له أثره الذي بقي معيداً للذاكرة الإنسانيّة تلك الحِقَب الأولى و ممهّداً لفترات أخرى من الجهل و اليأس.
لم يكتفوا فقط بخلق الدمار الماديّ بل أرادوا صنع شرخٍ في الوجدان الإنسانيّ كذلك، خوف تلك اللحظات من القوّة الغاشمة لم يموت أبداً بموت من شهدوها.لم يتخيّل الحكماء -السّاعين للكمال- أن تشوب خطّتهم أيّ خطأ، لم يتخيّلوا توجد بعض التساؤلات داخل إنسانهم الفائق، لذا لم يحسبوا حساب احتكاك بعض منهم بالبشر -غير القتلى- مما أثر فيهم، و في النهاية، كأي نظام من صنع البشر، وجد الخلل الذي شكل صدمة لم يتوقعوها..لقد تمرّد بعض من أصحاب الكيوس، تلك من صفات البشر التي لم يستطيعوا نزعها منهم، لذا استطاع عدة أفراد منهم الفرار من مساكنهم مع انتهاء الحرب و قد تشرّب فيهم الفضول و التوق لفهم البشر على حقيقتهم بعد أن مرّوا بتجارب لم يدرسوا عنها.
كان ذلك أسوأ كابوس بإمكان الحكماء المرور به يوماً، هناك إنسان فائق طليق سيشكل العثور عليه و التخلّص منه عقبة كبيرة في وقت هم في أمسّ الحاجة إليه ليبدأوا بتنظيم العالم، و بما أن الأمر حدث بسرعة فائقة فقد كان من شبه المستحيل اقتفاء أثرهم، هم ليسوا البشر العاديين و قد تربّوا على أيدي الحكماء لذا فهم يعرفون خطط الحكماء و تحرّكاتهم في شتى المواقف، و ذلك لم يزدهم إلا خطورة.
لذا، و تجنّباً لتكرار ما حدث مع المجموعة الهاربة، تحفّظوا على ما تبقى منهم و لم يستعملوهم لاستعادة الهاربين خوفاً من خسارتهم أيضاً، و لمّا كانت الفوضى تعمّ الأرض و كان وقت ترتيبها، قام الحكماء بتغيير خطّة الكمال المنشود لتتماشى مع ما طرأ، ليس من عادتهم أن يحيدوا عن ما نصّ في موروثاتهم لكن للضّرورة أحكامها، و ما تمّ إضافته كان تهيئة حملة الكيوس لقيادة البشريّة، فأعادوا للعالم مسألة الممالك و الحكم الملكيّ.
أنت تقرأ
الرباط الدامي
Mystery / Thriller- ما هو الذي يجعلُنا بَشَراً بِرأيك؟ - لا أدرِي... رُبَّما تِلك التَّناقُضات و الصِّراعات التي نخُوضُها مع أنفسِنا و التي تُحدِّد ما نحن عليه، ففِي نفسِ الشَّخص تجِد الخير و الشَّر، الكُره و الحُب، اليأس و الأمل، السَّعادة و التَّعاسة، الحنِين و ال...