' أعِرني عقلك قليلا'
عندما طال الصّمت المُحرِج و تحديق الفتاة الهادئ بكايتا إلى حدّ إرباكها قرّرت كايتا وضع حدّ للأمر و الاععتذار إليها عن سوء الفهم, لكن الفتاة قاطعتها بقهقهة قصيرة أحنت خلالها رأسها بخفّة, رفعت رأسها لتنفرج شفتاها بابتسامة صغيرة و قد وضعت كفّها الأيسر خلف عنقها لتهتف بحاجبين مرفوعين:
" ليس عليّ أن أتفاجأ فآخر لقاء بيننا لم يكن أمراً حافلاً حتى تتذكريه بسهولة.."
توقفت أنفاس كايتا لوهلة.. هل تدّعي بأنها قابلتها في أي وقت غير الآن؟!
".. لكن صدقاً, كاي, لطالما أمِلت أن تقدّم ذاكرتكِ البائِسة أداءً أفضل من هذا المثير للشفقة!"
ليعمّ الصمت بعدها ثانية تارِكاً كايتا تحاول استيعاب الأمر, إذا تغاضَت عن كمّ الإهانات الغريب في الجملة -و الذي لا يمكنك أن تقذفه على شخص بلقائكما الأوّل- فاحتمال أن تكون هذه الفتاة تعرفها قد أرعبها.. هي لا تعرفها فقط بل تعرفها بشدّة لدرجة مناداتها باسمها بلا كلفة بل و بالمقطع الأوّل منه!
" أو أنّكِ ففقط تحبّين لعب دور الشخص المُتغابي؟!" سألتها الفتاة و هي ترفع أحد حاجبيها الأحمرين و تحكّ فروة رأسها الأحمر.
سقطت تعابير كايتا و سقطت رغبتها في معرفتها حتّى, لذا بدون نطق كلمة التفتت لتحمل حقيبتها و تسير بضع خطوات مغادِرة المكان, سُرعة غضبها تجعل منها شخصاً يتخلّى عن الأمور بسرعة, لكنّها توقفت عندما هتف نيغولاس بجانبها قبل أن تتجاوزه :
" إنها ملكة أرض الحرّاس" توقفت كايتا بمحاذاته و رفعت نظرها إليه بحاجبين معقودين و عدم فهم:
" ماذا؟!!" ثمّ أعادت نظرها إلى خلف كتفها لتجد الشابّة صاحبة الشعر الأحمر تبتسم برضىً و هي ترخي جفنيها و قد أشارت إلى نيغولاس هاتفة :
" أرأيتِ؟ ها ما أتحدّث عنه.. ذاكرة محترمة و ليس كذاكرة السمك اليت في رأسكِ! ياللهول ظننت أنني سأبدأ بتعريف نفسي مثل الناس العاديين!"
لقد عادت للإساءة!! هتفت كايتا بداخلها بحاجبين معقودين و حدقت فيها بعينين ضيقتين.
" لكان الأمر ليكون مزعجاً حقّاً: أن أشعر بالغربة حتّى بعد أن وجدتكما, لكنني سعيدة أن أحدنا تذكّرني بهذه السّرعة"
قالت بهدوء و نبرة ارتياح كأنّها تزفر حملاً ثقيلاً و هي تنظر إليهما و قد توسّع إنسان عينها كمن ينظر إلى أحد أفراد أسرته بعد فراق طويل! كما أن كايتا انتبهَت لكلمة 'أحدنا' التي جاءت في موقف غريب بالنسبة لها.
نيغولاس كان قد عرف أن هناك أحداً يتربّص بهما لكنه كان ينتظر أن تُظهِر نفسها, لم يبدُ متفاجئاً من الموقف كله و لم يُبدِ ردّة فعل, عكس كايتا التي كانت تحاول استيعاب كلامه و هي تنظر للشابة الغريبة؛ لا شيء في مظهرها ينُمّ على أنها ملكة.. فقط بنطال أسود يظهر دقة ساقيها النحيلتين و قميص أبيض تعلوه سترة طويلة الأكمام بلون أصفر باهت و ياقة مرتفعة, مظهر أنيق لكنه لا ينتمي لملكة بالطبع, و لا شيء أو شخص آخر كان معها؛ لا يمكنها أن تُنكِر أن صوتها بالفعل يذكّرها بالملكة نارا كريستوفيان.. لكنها لم ترها ذلك اليوم لذا لا يمكنها أن تجزم أيضاً أنها هي فعلاً.
أنت تقرأ
الرباط الدامي
Mystery / Thriller- ما هو الذي يجعلُنا بَشَراً بِرأيك؟ - لا أدرِي... رُبَّما تِلك التَّناقُضات و الصِّراعات التي نخُوضُها مع أنفسِنا و التي تُحدِّد ما نحن عليه، ففِي نفسِ الشَّخص تجِد الخير و الشَّر، الكُره و الحُب، اليأس و الأمل، السَّعادة و التَّعاسة، الحنِين و ال...