' في كثير من الأحيان تكون الحقيقة هي الشيء الذي نحاول تفاديه'
".. شيخَنا شيخ الأوداق الموقّر، إنّ الملِك قد تمادى كثِيراً في الآوِنة الأخيرة" قالت السيدة آنار و قد أحنَت رأسها بعد أن سردَت نِقاشها مع الملِك، من تُحادِثُه على مسافة ثلاثة أمتار يجلِس على كُرسيّ كبير، عجُوز مُتهالِك قد أخذ الدّهر مِنه ما أخذ، إرتخَت أجفانُه السُّفليّة لتكشِف عن مُلتحِمة مُحمرّة و حدقتين بنّيّتين، بدا و كأن جِلد وجهه سيسقُط من شِدّة الترهُّل، مُرتدياً عباءة داكِنة و مُتّكِئاً إلى اليسار قلِيلا ما يدُل على عدم قُدرته على الجُلُوس باستِقامة بعد الآن، شعره الرّمادِيّ القصير مُغطّى بقُبّعة داكِنة يتدلّى مِن جانبيها شرِيطان فضّيّان عليهِما نُقوش بلُغة قديمة.
" آنار يا بُنيّتي لا تقلقي.." قال بِصوت مُتحشرِج خافِت و قد بدا واضِحاً كيف يُجاهِد للحدِيث، فمه كان فقط ما يتحرّك في كامل جسده الناحِل، أخذ أنفاسه ليُتابع:
".. ليونارد يظُن أن بإمكانِه الاهتِمام بكُل ما يخصُّها، لكن عليه أن يفهَم أنّ الأمِيرة لا تنتمِي إليه ولا إلى نفسِها..جميعُهم ينتمُون إلى المجلِس الأعظم، و لا تقلقي يا بُنيّتِي سنتعامل مع ليونارد كما يجِب..و ذاك الغرِيب سنتعامل معه أيضاً، لا تشغلي بالك يا بُنيّتي" أنهى كلامه و أخذ يتنفّس بمشقّة و بِصوت مسموع، أراد لنبرتِه أن تخرُج حنوناً لكِن صوته خرج كصياحٍ خافِت لدِيك يُحتضر.
الإضاءة كانت خافِتة و كان يصعُب معرِفة ما إذا كان الوقت فجراً أو مغِيباً، لكِن ذلِك لم يمنَع ظُهور سائِل برّاق على عيني السيّدة آنار التي هتفَت بنبرة مُتأثّرة و هي ترفع رأسها:
" بُورِكت، شيخنا الموقّر!".•••
" عُصفُورٌ وحِيد.."
تردّد صوت هادئ وسط الظّلام
".. عُصفُورٌ وحِيد.."بدا كصوت طِفل يُردِّد أُغنية ما، كان صادِراً من حنجرة غضّة لطِفل، فتاة، تجلِس على حجر وسط أرض خضراء، لكِن المكان كان مُظلماً و ضبابيّاً فلم تظهَر ملامِح الفتاة التي واصلَت الغِناء:
" عُصفُورٌ وحِيد.. يبحَث عن البيت.. أزهارٌ بيضاء تقطُر دماً..و أصوات نحِيب..لا تأبه يا عُصفُوري للدُّموع ولا للعوِيل.. و طِر عالياً حتّى تصِل إلى البيت.. إلى حيث تنتمِي إلى البيت" تخافَت أداءها الطفولي إلى أن سكتَت تماماً.
اقترب ظِلّ كبير إلى حيث تجلِس لترفَع الطّفلة نظرها و تحدّق في الجِسم العملاق الواقِف أمامها." من علّمكِ هذه الأغنية؟" سأل صاحِب الجثّة الضّخمة و الغامِضة بصوتٍ غليظ و هادِئ، لم يظهر على الفتاة أنّها انفعلَت لتجيب:
" ماما"
" و أين هي؟"" لقد.." قالت ثُمّ سكتَت، حاولَت الحديث ثانية:
أنت تقرأ
الرباط الدامي
Misteri / Thriller- ما هو الذي يجعلُنا بَشَراً بِرأيك؟ - لا أدرِي... رُبَّما تِلك التَّناقُضات و الصِّراعات التي نخُوضُها مع أنفسِنا و التي تُحدِّد ما نحن عليه، ففِي نفسِ الشَّخص تجِد الخير و الشَّر، الكُره و الحُب، اليأس و الأمل، السَّعادة و التَّعاسة، الحنِين و ال...