الفصل السّابع عشر
كان الجوُّ أقرب لأيّ شيءٍ، سوى البردِ. لكنّ تايهيونغ قد اِلتذَّ بإحاطة كوب الشّاي السّاخن بأصابعه، وتريّثه إلى حين بلوغه درجة حرارةٍ تخوّله لاِرتشافه."أين كنّا يا بنيّ؟"
"في الحقيقةِ.. لم أباشر الحديث بعد."مبتسمةً بخفارةٍ طفيفةٍ، لبَدت الجدّة على كرسيّها الهزّازِ العتيق على الشّرفةِ، حاملةً فنجانًا صغيرًا لا يضاهي محتواه نصف ما يحمله الفتى، الذي اِكتفى بالأرضِ مقعدًا والجدارِ مسندًا، مقابلاً حديقةَ المنزل الصّغيرة.
"إذًا أخبرني، هل اِستطعتَ التأقلم؟"
"أجل، أعتقد هذا." جذب حافّةَ الكوبِ نحو شفتيهِ، وحينما بدأ باِرتشافِ الشّاي أردفت. "لقد أخبرتني والدتكَ أنَّ لجارتكم ولدًا يعادلكَ عمرًا."
"بلى، لكنّني لم أحادثهُ من قبل." وأغلب الظّنِ أنّه لن يحادثه قطّ. "أما لوالدتي محورُ حديثٍ غيري؟"هدهد الأمرد أشفار جفنيهِ ما إن بلغت أذنيهِ الضْحكةُ الخافتةُ، وبانَ خطّانِ ضئيلانِ من العدمِ، بين حاجبيه.
"جدّتي؟"
"أنتَ شابٌ، في ريعانِ شبابك، وحياةٌ طويلةٌ مديدةٌ تنتظرك، فلمَ تحاول دفنَ نفسكَ قبل ميعادك؟ أوتدري؟ إن كنتُ محلّك، لوجدتني الآن في أكثر الأماكن اِزدحامًا في المنطقةِ، سأحاول التّعرّف على أكبر قدرّ ممكنّ من النّاسِ، وسأتشبّع منهم بما تتّسع ذاكرتي اليافعةُ له من قصصٍ. لكنّني العجوزُ، وأنتَ الفتيُّ.""لكنّكِ قد تقابلينَ قاتلاً متسلسلاً في مشواركِ، وستنتهي رحلتكِ قبل أن تدركي ذلك." دمدمَ، والنّفس المنطلقُ من فاه يرتطمُ بسطحِ مشروبهِ. "على كلٍّ، لقد اِكتفيتُ من البشرِ، سواء كانوا جيرانًا بنفسِ عمري أم قتلةً متسلسلين."
تمتمَ آخر كلماته، محدّقًا باِنعكاسِ صورتهِ على سطح الشّاي.
اِلتطمَ البخار بوجهه، وحجب جزءًا من رؤيته، لكنّه قد استطاع سبيلاً للمحِ أمرٍ غريبٍ في ملامحه.
لم يكُن هناكَ أمرٌ منفردٌ بارزٌ مختلفٌ عمّا اِعتاد على رؤيته في المرآة، لكنّ ملامحهُ مقترنةً في وجهٍ واحدٍ كان عنوانها عدمُ الصّدقِ.لعلّ عينيه لا تزالان عينيهِ، لم يتغيّرا شكلاً أم لونًا، لكنّ ما رآه في الإنعكاسِ كان عينا كاذبٍ.
"يونغي أيضًا؟" وببعض الحياء وبشرةٍ شابتها حرارةٌ خفيفةٍ أجاب، وباِستمرارٍ زنّد. "يونغي أيضًا."
"لا أستطيع لومكَ يا بنيّ، فلم أرى صبيًا بمثل تبلّد حفيدي، إنّه غريبُ أطوارٍ." اِفترّت شفتاه عن اِبتسامةٍ متعرّجةٍ بعد سماع ضحكتها، فيما راحت يده تخدش قفا رأسه.سجا الجوّ، تلاشى صوتها وأنكس نظره. خمّن أنّها نهايةُ جلستهما. صمتها ينذره بالرّحيل، بطريقةٍ أكثر لباقةً من الكلام.
لكنّ خفِيتها جاءه عندما اِرتكز على يده كي يستقيم.
"هل للأمر علاقةٌ بوالدك؟"
كانت تدوس على ركنٍ حسّاسٍ، اِعترف في النّهاية. لم يهمّه عدد المرّات التي أنكر فيها تأثره، ففي نهاية المطاف، تايهيونغ قد تأثر."كلّا.. لا أعتقد هذا." أخذ يعبث بأوّل ما حطّ أمام نظره، ما كانَ عشبًا أخضرًا قد نبت في فتحةٍ صغيرةٍ على الأرض الخشبيّةِ، وتابع. "كلّ ما في الأمر أنّني أشعر برغبةٍ ملحةٍ، رغبةٍ في التخلّص من كلّ شيءٍ له علاقةٌ بحياتي في سيول، والبدء من جديد."
لكنّ حياته في دايغو قد لا تكون كما يرغبها أن تكون. قد لا يجد ما تخلّى عنه. قد يندم.
"كنتُ أعتقد أنّ أبي هو السّبب في رغبتي، وهو كذلك! لكنّ الخطب الأعظم بي، أشعر بأنّني لا أحب حياتي السّابقة، لكنّني أحبها. أشعر بأنّني أريد التخلّي عن كل شيءٍ، لكنّني لا أريد أن أخسر ما قد لا أستعيده." شعر بسكونٍ طاغٍ حوله، لكنّه قد واصل، بنبرةٍ متهكمة. "كما أنّني لا أريد ملاقاة والدي بأيّ طريقةٍ كانت."
ذلك اللّعين.
أراد أن يضيف، لكنّ ذلك سيكون صادمًا للأذنين الهرِمتين.كان والده طبيعيًا في أغلب الأوقاتِ، حينما لا تُدسُّ الكحولياتُ في المنتصف.
وذلك ما أقنع تايهيونغ، أحيانًا، أنّه يظلمُه، الذي كان يؤدّي كامل واجباته كأبٍ طالما أنّه غير ثملٍ.
"والدتي لم تستطع مسامحته، لا أعتقد أنّني في الموقف المناسب الذي يسمح لي بمسامحته، أيضًا."
شابكَ أصابعه، غير آبهٍ بأيّ ردٍّ قد يأتيه، أو ما إذا لم تردَّ الجدّةُ قطّ.
"قلب داسوم طيّبٌ، أنا متيقّنةٌ أنّها سامحته، وأنتَ الآخر عليكَ مسامحته."صمت لثوانٍ، وآلتِ الثّواني إلى دقائق، تيقّن فيها أنّ الجدّةَ قد اِستسلمت ضدّ النّوم، وأنّ الشاي ما عادَ بالإمكانِ اِرتشافه.
شخيرها الخفيفُ طال أذنيه، ونفَسها المنتظمُ أمسى أشدّ اِنتظامًا.
اِستلّ الفنجان من بين أصابعها ببطءّ، وضعه بجانب الكوبِ على الطّاولةِ الصّغيرةِ، وحثّ خطاه بين الأعشابِ بالغةِ النموِّ في الحديقةِ.
كان عليهِ جزّ العشبِ من أجلِ الجدّةِ، وجمع شتاتِ نفسهِ من أجله.
نهاية الفصل السابع عشر
عيد مبارك، كل عام وأنتم بخير 💛
أنت تقرأ
جايتوبيا
Fanfictionحين يتعيّن على كيم تايهيونغ تحمّل أفعالِ سونغ جايهي السّخيفة بسبب فيلمٍ كرتونيّ خياليّ.