٠٠١

9.3K 720 244
                                    




الفصل الأوّل

"جايهي، تعلمين جيّدًا أنّ ما تنوين فعله مجرّد حماقةٍ."

"فضلاً، فلتُكرمني بصمتك."

تمرّدت تنهيدته قبل أن يتّكئ على الكرسيّ.
لمحَ تحديقاتِ أمينةِ المكتبةِ الحادّة، ليقرّر الصّمت.. لا إطاعةً لجايهي، بل مخافةَ الطّرد المهينِ.
حدّق مطوّلاً بشاشةِ الحاسوب، بالصّفحات العديدةِ المفتوحةِ في آنٍ والصّابةِ في نفس النّهر.

أراد توفير عنائها، ليهمس قرب أذنها: "لا يوجد أكاديميّات شرطةٍ لمن هم دون الثّامنة عشر، لا تحاولي."
لمح جمودها لوهلةٍ، قبل أن يشعر بظهر الكرسي يرتطم بعنفٍ بمعدته، بعدما اِستقامت جايهي والحنق بادٍ على تقاسيمِ وجهها.

"ماذا؟ هل اِقتنعتِ أخيرًا؟"
قال بنبرةِ صوته المعتادة، العاليةِ المرِحة، ما إن وطآ أرض رصيفِ الشارعِ.
"كلاّ، لقد سئمتُ من صوتكَ واِزعاجكَ المستمرّ، كما أنّ ظهري قد آلمني من الجلوس المتواصل."

"دعيني أحزر، سوف تواصلين البحث والمضيّ قدمًا، إلى أن تنجحي وتحقّقي حلمكِ في أن تصبحي شرطيّةً كجودي؟"
توقّف فجأةً حينما تصنّم جسدها أمامه. اِلتفتت بسرعةٍ نحوه رافعةً أحد حاجبيها وقد بدا أنّ ساعاتِ اليوم قد أنهكت ملامحها، لِما رأى من اِحمرارٍ داخل عينيها.. لم يكن عليها اِستخدام الحاسوب طويلاً.
"أجل، هذا بالضّبط ما سأفعله."

"وبالطّبع، أنتِ تدركين أنّ جودي هذه، ما هي سوى شخصيّةٍ خياليةٍ." لاحظ وقوفهما المريح في منتصف الرّصيف، وحمد الله على تأخّر السّاعة وتوجّه غالبيّة النّاس إلى بيوتهم، لكنّه لم يعلم كيف يفسّر الأمر لوالدة جايهي.
"وعلى وجه الدّقة، تلك الشّخصيةُ أرنبةٌ! شرطيّةٌ أرنبةٌ! يا له من اِقتداءٍ مؤثرٍ، جايهي." أردفَ ساخرًا، وكم كان من الممتع التحديقُ بتغيّر معالمها.

"سأنجح وسترى ذلك بأمّ عينيك الفاشلتين، أمّا أنتَ فستعيش مقتاتًا على التحايل على الغير، تمامًا كنيك." كانت كلماتها حادّةً جادّةً، كما لو أنّ حديثه قد أثّر بها حقًا.

لم يدرِ إن كان عليه الإعتذار، فهو في مطلق الأحوال لم يقصد سوءً بكلامه.
لكنّ هيئتها الثّابتة تمامًا، والقابعةِ أمامه دون حراكٍ أثبتت تحديها له.
كانت جايهي تتحدّاه، ولم يتذكّر قطّ أنّه قد اِستمتع بأمرٍ أكثر من تحدّيها وهزيمتها.

"يبدو أنّكِ قد نسيتِ، نيكِ أصبح شرطيًا فيما بعد."
"صحيح، لكنّني لا أستطيع تخيّلك وأنت تقوم بعملٍ شريفٍ كحمايةِ النّاس."
"إن لم تخنّي ذاكرتي، فقد قلتِ بالأمس أنّ نيك يذّكركِ بي، ما الذي تغيّر؟"

"لا شيء. فلتعتبرها زلّة لسانٍ."
ابتسم بهدوءٍ وتبعها، سائرةً بخمولٍ أمامه دون أن تعبأ بإنتظار ردٍ منه.
ولأوّل مرّةٍ، لم يكن يبالي.
لم يكن يبالي إن هزمته وكانت عبارتها آخر ما يعانق الهواء..

كان، سرًا، يتمنّى أن تحقق حلمها الصّغير.

رفع نظره عن الأرض حينما سمع صوت اِصطكاك المفاتيح، في محاولتها لفتح باب المنزل.
كانت يداها ترتجفان، وقد شعر بمغصٍ خفيفٍ في معدته. أراد معاتبة نفسه لعدم اِنتباهه مسبقًا، لعلّه كان يستطيع تقديم سترته لها..

"تصبح على خيرٍ."
"اِنتظري.."
حدجت غرّته التي تكاد تعمي بصره بنظرها، وقد تمنّت ألاّ يستمر تحديقه طويلاً، كما اِعتاد أن يفعل.
"هل ظهركِ بخير؟"

"أجل، تاي."

نهاية الفصل الأوّل

جايتوبيا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن