الفصل الحادي عشر
ثلاثةُ أيّامٍ.
ثلاثةُ أيّامٍ تسرّبت من بين أنامل جايهي لترى تايهيونغ مجددًا، وثلاثةُ أيّامٍ قد صفعتها لتدركَ أنّها، ربّما، قد اِرتكبت خطأً.حين رأته، كان برفقةِ والدته، السّيدة كيم.
كانت اِمرأةً حنونًا، بإمكانها إنارةُ الظّلام باِبتسامةٍ دافئةٍ، ولا تنفكُّ تبصر العالم بوجهها البشوش.
كولَدها، تمامًا كولَدها.لم تستغرقها ملاحظة ما يجري الكثير من الوقتِ، ولم تنتظر الغيمة السّوداء إذنها، قبل أن تلتفَ حولها، وعوض أن تحطّ على رأسها كالعادةِ، كانت الغيمة تدسّ نفسها بين رئتيها، خالقةً ثقلاً عظيمًا على صدرها.
كان تايهيونغ يضع ثلاث حقائبَ في الصّندوق الخلفيّ لسيّارة الأجرة، ولم يبدُ أنّه في طريقه لزيارةٍ قصيرةٍ.
"ما.. ما الذي يحدث، تاي؟"
لعلّ صوتها قد خرج مرتجفًا، لعلّ لمعان عينيها كان واضحًا، لعلّها قد بدت مثيرةً للشّفقة.
لكنّ إجابته هي كلّ ما قد اِكترثت له آنها.لمحت رأس السّيدة كيم الذي اِلتفت نحوها، قبل أن تبتعد بجسدها الهزيل عن الشّابين.
كانت تمنحهما مساحةً خاصّةً، وقد قدّرت جايهي ذلك."صباح الخير."
"ما الذي يجري؟""نحن.." كما لو أنّه متردّدٌ، راحت قدمه تعبث بالعشبِ، وعيناه تلتفّان حول المكان، بذبولهما وفراغهما الأسود. لكنّه قد اِنتهى بإتمام عبارته، محدّقًا بعينيها: "سننتقل إلى دايغو."
حينما كانا في المدرسةِ الإعداديّةِ، وحين تعرّف تايهيونغ على جيمين، بدا أنّه قد ولج عالمًا جديدًا، عالم الصِبيةِ.
اِعتاد على إمضاء جلّ وقته رفقتها، من كانت فتاةً. ليكون مردّه الإنصدامَ بما كان في جعبةِ جيمين، الفتى.أخذ تايهيونغ يأتيها كلّ يومٍ بما تجرَعه من نهر علومِ جيمين الذّكورية.
كما لو أنّ جيمين المعلّمُ، وتايهيونغ الطّالبُ.. جيمين يعلِّمُ، وتايهيونغ ينفِّذُ تجاربه على فأره، الذي صدف أن يكون جايهي.وقد كانت المقالب جزءً من تجاربه.
بعد أن تمادى في أحدها وتسبّب في كسر ذراعها الأيمن، فضّل البقاء في دائرة الأمان، وتنفيذ المقالب الشّفهيّةِ فحسب.
والتي تمثّلت، بنسبةٍ كبيرةٍ، في اِدّعائه لترك المنزل والإنتقال، بتعدّد الأسباب والأزمان.كان قد أخبرها ذات مرةٍ، فيما كان يجرّ حقيبته الزّرقاء مرورًا بالسّياج الفاصل بين باحةِ منزله والرّصيف، أنّ والداه على وشك الطّلاق، وأنّه ووالدته متوجّهان إلى دايغو، للعيش رفقةِ جدّته.
مرّت ستُّ سنواتٍ، وهاهوَ تايهيونغ، يعيد ذاتِ الكلماتِ على مسامعها.
"لا تتوقّع منّي تصديق هذا، أليس كذلك؟"
"بلى، لأنّها الحقيقة."كانت تعلم أنّها ليست في الوضع المناسبِ لتكذيبه، ليس والسّيدة كيم تحدّق بها ناعسةَ الجفنين، منكسةَ الرّأس زامّةً الشّفتين.
وحتمًا ليس وسائق سيّارة الأجرة ينتظر في مقعده، يتمتمُ بإقتراب موعد القطار.
كان كلّ شيءٍ يصرخ بصدق ما يتفوّه به تايهيونغ، لكنّها قد فضّلت تكذيبه."أنتَ كاذبٌ جيّدٌ."
"لكنّني لا أكذب."
"بلى، أنتَ تكذب، وأنا أكره هذا."أنكس تايهيونغ رأسه، واِفترضت جايهي أنّ السّبب هو ما لمحته ممّا قد تجمّع في زاويتيّ عينيه. قبل أن يطلق تنهيدةً ثقيلةً، بدا لها أنّه قد قطعها في منتصفها، ليقول: "سأراسلكِ حين أصل."
"لمَ لم تخبرني من قبل؟"
"لأنّ هذا ما كان لِيحصل."
لكن حينها، على الأقلّ، لم تكُن لِتمضي ما يقارب الأسبوع الكامل محاولةً تجنّبه، محاولةً منحه بعض المساحة الشّخصيّة.
لم تكن لتفرّط بأيّامها القليلةِ برفقته، إن علمت."أنتَ نذلٌ أنانيٌّ."
"أعلم."
حين قالَ آخر كلمةٍ، كان صوته هادئًا، مواسيًا وكأنّه يدٌ قد اِمتدّت للتّربيت على كتفها الواهن.
حين نظر نحوها للمرّة الأخيرةِ، كانت عيناه عميقتان، لعلّهما قد حافظتا على فراغهما، لكنّها آنها قد جزمت أنّهما تتحدّثان بلغةٍ لم يفهمها غيرهما.
كان يعتذر بصمتٍ.ولم تدرِ أكان لها الحقّ بمسامحته، في المقامِ الأوّل، أم لا.
كان، ولأوّل مرةٍ، يقومُ بأمرٍ من أجله، بأمرٍ يصبّ في صالحه، لذا فقد كانت سعيدةً، وإن لم تبدُ معالم السّعادة عليها، وإن لم تشعر بها.
ما هو جيّدٌ لتايهيونغ، هو جيّدٌ لها.نهاية الفصل الحادي عشر
![](https://img.wattpad.com/cover/96379137-288-k728047.jpg)
أنت تقرأ
جايتوبيا
Fanficحين يتعيّن على كيم تايهيونغ تحمّل أفعالِ سونغ جايهي السّخيفة بسبب فيلمٍ كرتونيّ خياليّ.