(قمر)لم أتمكن من خداع والدتي في اليوم التالي بأن بطني ما زالت تؤلمني فأضطررت للذهاب مع خالي الى الجامعة.. لكن هذه المرة بالحافلة الصغيرة لأتمكن من تدبير نفسي بنفسي في الأيام المقبلة.. تقبلت فكرته برحابة صدر و ركزت بتعليماته و وصفه لكل طريق لكي لا أقع في موقفٍ كالذي قبل يومين و أنتظره لساعات.. حالما ودعته و دخلت الجامعة أخرجت سماعاتي من حقيبتي و أوصلتها بهاتفي الذي حصل على شريحة أخيراً.. أدخلت السماعات في أذنَيّ و قمت بتشغيل الموسيقى بصوت عالي ليغطي على بقية الأصوات ثم إتجهت الى قاعة المحاضرة.. جلست في نهايتها هذه المرة كي أكون بعيدة عن بقية الطلبة و لا أخاطر في سماع ما يعكر مزاجي..
في البداية لم أرغب بإبعاد السماعات حتى عند حضور الدكتور و بداية محاضرته.. لكني عندما لم أفهم شيء من الصور التي عرضها على الشاشة الكبيرة إستسلمت و تخليت عن السماعات.. و رغم أني بعيدة عن مجموعة الفتيات التي جلست بقربها في المرة السابقة إلا أنني إستطعت سماعهن و هن يتهامسن.. و بين الحين و الآخر كانت تستدير إحداهن لترمقني بنظرة متفحصة.. و كأنها تتفحص مظهري لتقيمه.. ركزت نظري بالدكتور و أنا أحاول تجاهل النار التي بدأت توقد في صدري.. تتصاعد بلهيبها كلما أحسست بنظراتهن أو سمعت همسهن.. تمكنت من الصمود الى أن إنتهت المحاضرة و أسرعت بجمع حاجياتي و مغادرة القاعة بخطوات سريعة كادت تكون متعثرة..
تبعت الطلبة الذين كانوا يتجهون نحو بوابة الخروج لأنني ما زلت لا أحفظ الطريق إليه ثم أبطأت خطواتي حال خروجي الى لحديقة..
داعبت النسمات المنعشة و جهي المشتعل و خففت من لهيبه.. ثم رأيت الغيوم في السماء فهدأت أكثر.. سرت بإتجاه المقاعد الخشبية لأنتظر درس التحليلات الذي بقي على موعده نصف ساعة بينما أصدرت معدتي أصواتاً معلنة عن فراغها.. لكني كنتُ فاقدة للشهية تماماً فتركتها تتصارع مع نفسها و أخذت أحدق في السماء.. سرعان ما شعرت بإسترخاء عضلات وجهي و أكتافي.. بدأت أرسم أول شكل.. أنف.. جبين.. ذقن قصير.. مم.. شعر كثيف؟..ـ لا, قبعة
جفلت في مكاني و نظرت الى يساري حيث مصدر الصوت.. كان يجلس معي على المقعد.. عيناه على الغيمة التي اراقبها و إبتسامته لا تفارق شفتيه..
قلت بصوت مهتز: من شوكت انته هنا؟
نظر إليّ و تعمقت عيناه في الإبتسامة: ما صارلي هواي
مررت أصابعي على رقبتي بتوتر: لا تفاجأني بعد بهالشكل
اومأ برأسه: أمرج
تذكرت تعليقه و قلت: شدراك بشنو جنت أفكر؟
ـ مو كلتلج أكو رابط بيناتنه؟
رفعت أحد حاجبَيّ: و هالرابط يخليك حتى أفكاري تكدر تقراها؟
مال برأسه قليلاً و قال مداعباً: يمكن