(قمر)
تناولت العشاء مع والدتي و خالي في غرفة الجلوس و كانت الأجواء شبه متوترة.. و كأنهما لا يعرفان كيف يتصرفان معي بعد الحقيقة الجديدة.. حقيقة جنوني.. شفقت عليهما و على الوضع الذي وضعتهما فيه.. لكني رغم ذلك لم أستطع مساعدتهما و التحدث معهما لأخفف عنهما.. بل تناولت طعامي بصمت و اجبت بإختصار عندما خاطبني أحدهما.. إحتراماً لخالي و لألا يحز الأمر في نفسه إنتظرته حتى غادر ثم دخلت غرفتي لأنعزل فيها.. اخرجت سماعاتي التي اشتقتها كثيراً و قمت بتشغيل الموسيقى في هاتفي لأستلقي على سريري و اضيع في عالم النغمات الهادئة.. نعم الهادئة.. و يعود الفضل لموسيقى المطعم التي جعلتني أرغب بسماع شيء يختلف عن النغمات الصاخبة التي كنت اعاقب اذناي بها.. اغمضت عينَيّ لأنسى للحظات كل شيء..
أنسى المكان و الزمان.. و أنسى مرضي.. ليبقى شيء واحد في مخيلتي.. وجه مازن الجميل.. و هو يمد يده نحوي.. شعرت بشفتَيّ تنفردان بإبتسامة.. لكن إبتسامتي لم تكتمل.. لأن وجهاً آخر ظهر الى جانبه.. وجه أكثر خشونة من مازن.. بلحية أطول.. بعينين يتراوح لونهما ما بين الأخضر و الأزرق.. و عقدة بين حاجبيه الداكنتين..فتح فاهه ليقول: مازن وهم
جفلت أفتح عينَيّ لأنظر من حولي و كأنني قد أراه في غرفتي.. لكنها كانت خالية.. حتى من مازن.. رفعت نفسي الى وضعية الجلوس و أبعدت السماعات عن أذناي.. ما بالي أزداد جنون فوق جنوني؟.. هل سأبدأ بتخيل الدكتور أيضاً؟.. و كأنه ينقصني..
طُرق الباب بخفة و ظهرت والدتي لتسألني بتردد: راح تنامين؟
ـ بعدني, دا افكر اراجع دروسي أول
اومأت برأسها و رأيت شيء من الأمل يحيى في عينيها.. إقتربت من سريري و جلست على حافته.. كم يحزنني ترددها.. و كأنه لا يحق لها الإقتراب مني.. أو التحدث إلي.. أنا آسفة أمي.. آسفة لجعلك تعانين بهذا الشكل..
قالت و هي تداعب كم قميصها: الدكتور حجه وياي اليوم
عقدت جبيني: بشنو؟
ـ كال.. ان هالفترة راح تتشاوفون هواي
اومأت برأسي: اي.. يعتقد ان هالشي ممكن..
لم أتمكن من قول المزيد لأنني لم أعتاد التحدث عن مازن أمام والدتي بعد أن ظهرت حقيقة مرضي..
فقالت: اي شرحلي السبب, بس ماما اتمنى ما تطولين بطلعاتج, صحيح انتي بإيد أمينه وي الدكتور, بس مع ذلك اريدج ترجعين للبيت قبل الليل
ـ ميحتاج توصيني ماما, هو اصلا عنده عائلة و ما يكدر يتأخر عليهم
إرتخت معالمها قليلاً و قالت: ماشي, اني راح اعوفلج مصرف خاف يعجبج شي من تطلعون أو تحتاجين شي
همست لأقول بإمتنان: شكراً
ليس على المال.. بل على إهتمامكِ.. على تحملكِ.. على حبكِ المستمر رغم وضعي..