(قمر)
لم أرَه ليومين.. أخبرني أنه منشغل بحل الخلاف الذي حصل مؤخراً.. و قد إستنتجت من صوته المتضايق رغم محاولته بعدم إظهار شيء أن الأمر سيء.. و سيء للغاية.. لكن مهما سألته عن الوضع يقول أنه لا داعي لأن أشغل بالي.. أنه سيحلها قريباً.. لم يبدو مقتنعاً و هو يقول ذلك.. لذلك أنا أيضاً لم أكن واثقة من مقدرته على حلها.. لاحظت والدتي إكتئابي و صمتي الغير معتاد و حاولت أن تفهم السبب.. لكني تحججت بالدراسة.. لا أستطيع إخبارها بما حصل.. لأسباب عدة.. أولاً أنني ذهبت الى شقته دون علمها.. ثانياً أنني تعديت الحدود معه في شقته.. ثالثاً الوضع الذي وجدتنا عليه ليال.. لو أنني كنت في غرفة الجلوس لكان أهون بكثير.. و رابعاً هو أن والدتي قد تتدخل و هذا سيزيد الحمل على أسامة..
في اليوم الثالث طلب أخيراً أن نلتقي.. و عاد شيء من النشاط إليّ.. آملة أن يكون قد حلّ المشكلة.. لكن حالما رأيته علمت أنه لم يحلّها.. و أنها ربما قد تفاقمت.. كان وجهه يختلف كل الإختلاف عن لقاءاتنا السابقة.. متعب.. للغاية.. و كأنه لم ينم منذ أن إلتقينا آخر مرة.. الإحمرار في بياض عينيه يشع بخيوطه.. و المنطقة أسفل عينيه قد أخذت لوناً داكناً.. تحطمت آمالي التي بنيتها حالما طلب أن نلتقي.. و زاد قلقي و خوفي..
سألني بصوته الذي لا يقل تعباً عن وجهه: نتمشه على البحر؟
اومأت برأسي موافقة دون أن أقول شيء.. كنت أختنق.. رؤيته بتلك الحال تحطمني.. أشحت بنظري عنه و بلعت غصتي.. يجب أن أعرف ما يحصل له.. ألست خطيبته؟.. أليس من المفترض أن يشكو لي همه؟.. إنتظرت حتى وصلنا الى البحر و وقفنا عند السياج كالمرة السابقة حتى سألته..
ـ شنو صار وياك؟
لم يجب مباشرةً.. بل أخذ بضع ثواني و هو ينظر الى البحر بمعالم متصلبة..
ثم قال: الشغله يرادلها وقت.. بس تنحل ان شاء الله
هذا جوابه كلما سألته..
قلت و قد بدأ صبري ينفذ: أسامة.. ياريت ما تحسسني إني غريبه عنك.. احجيلي شدا يصير وياك؟
إلتفت إليّ و بدا متفاجئاً من كلامي..
فأقترب مني و حوط وجهي بكفيه: حبيبتي شنو هالحجي؟ شنو غريبه؟ إنتي صرتي أقرب الناس إلي, أقربهم كلهم, تفهمين هالشي؟
قلت و قد عادت الغصة لتضيق عليّ تنفسي: لعد ليش ما تحجيلي؟
الحزن في عينيه.. يحطمني أكثر.. يضاعف حجم غصتي..
قال بصوت منخفض: لأن ما اريد شي يأثر على نفسيتج, وعدتج أحلها و اني عند وعدي, بس انطيني وقت, ماشي؟
نفسيتي؟.. إنه يخشى أن يؤثر على مرضي.. هل سيبقى مرضي عائقاً بيننا؟.. لا أريده أن يعاملني بهذا الحذر فيبني بيننا حاجزاً.. حاجز يؤذيني أكثر من ما يحميني..
لكنني لم أصّر على الأمر إذ أنني لم أرغب بمضايقته فوق ضيقه.. فأومأت برأسي موافقة و أقتربت منه أحتضنه بتردد.. أود التخفيف عنه لكن لا أعرف كيف.. و لا يعطني الفرصة لأحاول..
لذا سأكتفي بإحتضانه.. علّه يشعر بأنني أعاني لمعاناته.. أني أتألم لألمه.. مسح على رأسي و هو يضمني إليه و كأنه هو من يواسيني.. و ليس العكس.. و ربما أنا حقاً من يحتاج المواساة.. رأسي على صدره و البحر أمام عينَيّ.. من المفترض أن تكون من أجمل اللحظات.. لكنها لحظة تفيض ألماً.. و خوف من ما قد تحمله الأيام القادمة..