(أسامة)
حملتها بين ذراعَيّ و انا أحير ما بين مراقبة طريقي عودةً الى السيارة و ما بين مراقبة وجهها الشاحب.. متأملاً عودتها الى وعيها.. لكنها لم تستفيق.. وصلت الى سيارتي فأسرعت بفتح الباب الخلفي و وضعتها على المقاعد بحذر.. أمسكت بيدها المجروحة و التي قمت بلفها بقطعة قماش ناولتني إياها السيدة التي عثرت على قمر قبلي و أسندتها على مكان مرتفع لأمنع الدماء من التدفق نزولاً.. ثم أسرعت الى مقعدي و أنطلقت بها الى المشفى و انا أكاد لا أرى طريقي.. لقد تعجلت.. تعجلت كثيراً.. و هذه نتجية إستعجالي.. الجرح.. يا الهي كم كان عميق.. كيف فعلَتها؟.. اتراهُ وهمها من حثها على ذلك؟.. ام تأثير الصدمة عليها؟.. شددت من قبضتي على العجلة و انا أشتهي كسرها.. اشتهي إخراج غضبي بأي شيء.. أشعر و كأن الذنب ذنبي.. رغم انني أتخذت أكثر الطرق تأنياً لتكتشف المرض بنفسها لكن الأمر لم ينتهي على خير كما تمنيت..
وصلت الى المشفى و أوقفت السيارة أمام البوابة بشكل فوضوي ثم أسرعت الى المقاعد الخلفية لأحمل قمر و أسرع بها الى قسم الطوارئ.. ناديت بأول ممرضة صادفتها ثم تابعت طريقي الى إحدى غرف الحالات الطارئة و وضعت قمر على السرير الرفيع.. دخلت الممرضة بعجلة و أخذت تجري الفحوصات الأولية لها.. ثم دخل الدكتور يونس ليكشف على جرح يدها.. و تبعته ممرضة أخرى.. تركت قمر بين أيديهم و أنسحبت من الغرفة.. كنت منهك جسدياً و نفسياً لكن لم يكن هناك مقعد لأستريح عليه و لم أشأ أن ابتعد.. فجثيت على ركبتَيّ و أسندت ظهري على الحائط و انا أتنهد بتعب.. ماذا ساقول لوالدتها؟.. لقد وضعت ثقتها بي.. مسحت على وجهي بقلة حيلة.. لأول مرة أقع في موقفٍ كهذا.. فقط لأنني عاملت هذه الحالة بشكل يختلف عن كل الحالات السابقة..
أخرجت هاتفي من جيب سترتي و بحثت عن رقم والدتها.. ترددت و انا أنظر الى اسمها.. يارب فلتسهل عليّ هذه المهمة.. إتصلت على رقمها و انتظرت الرد بقلب منقبض.. عندما أجابت حاولت أن اكون هادئاً و أبسط الأمور لكنها رغم ذلك فزعت و صارت تبكي بجزع.. اخبرتها عن مكاننا فقالت انها ستأتي مع أخاها.. أغلقت الهاتف و ظننت ان هماً سينزاح عني بعد ان تخلصت من هذه المهمة.. لكنه لم يفعل.. تنهدت و قمت بالاتصال بليال لأخبرها بأني سأتأخر عن موعدي لأخذ إيليا.. تسائلَت عن السبب بضيق واضح.. فتعذرت بحالة عمل طارئة دون التطرق الى نوع العمل.. سمعت صوت إيليا المتحمس و هو يطلب التحدث إلي.. ثم طلب مني أن أسرع بمجيئي و اعطيته وعداً بأني سأفعل.. انهيت الاتصال و اسندت رأسي الى الوراء على الجدار الصلب لأغمض عينَيّ و ابحث عن صفاء الذهن استعداداً لما ينتظرني..
و نفعني الأمر بعض الشيء فقررت ان اباشر بعلاجها حتى و ان لم احصل على موافقتها بعد.. فلا يمكن المخاطرة اكثر من ذلك..
بعد ان اكمل الدكتور يونس من معالجة جرحها و تضميده دخلت لأقوم بأول خطوة في علاجها.. طلبت من الممرضة أن تحضر لي الأدوية اللازمة و قمت بعدها بحقنها بأول جرعة.. سيخفف ذلك من اضطراباتها النفسية عندما تستيقظ..