(قمر)
أول شيء قمت به بعد عودتي الى البيت هو تناول دوائي.. لم يعد هناك سبب لتركه بعد الصدمة التي تلقيتها قبل قليل.. لم يعد هناك سبب لوجود مازن.. و رغم تصرفي الأناني إلا أنها تبقى حقيقة واحدة.. و هي أن مازن وهم من وحي عقلي المضطرب.. فكيف أِشعر بالذنب و أنا أختار الشفاء؟.. كيف أستاء من تصرفي و أنا أختار الحياة؟..
بعد تناول الدواء توجهت الى خزانتي لأفتحها على وسعها و انظر الى ثيابي المتراكمة على بعضها بغير ترتيب.. أعض على شفتي و أنا أدقق في ألوانها المختلفة لأتذكر شكل كل قطعة منها.. حسناً, من إيجابيات مرضي هو أنني لم أكن أهتم لمظهري و لا أتعب نفسي بالتنسيق.. يبدو أنني نسيت كيفية التنسيق و الإهتمام بالشكل الخارجي.. تنهدت و أنا أمسح بيدي على جبيني..
لو أن أمي تعود بسرعة لتساعدني.. سيأتي أسامة بعد أقل الساعة, ماذا لو لم أجهز في الموعد؟.. بدأت بسحب قطعة تلو الأخرى من بين كومة الثياب علني أجد شيء يروقني.. لكن الأمر لم يزيدني إلا حيرة.. تأففت بضيق.. ثم سمعته.. صوت قفل الباب و هو يُفتح.. هرعت أخرج من غرفتي فرأيت والدتي و هي تدخل لتوها و تنحني لتخلع حذائها.. لكنها توقفت عندما رأتني أستقبلها للمرة الأولى..إبتسمت و قالت بصوت لا يخلو من التعب: شلونج حبيبتي؟
قلت بتلبك: زينه, بس احتاج مساعدتج
لاح القلق على وجهها الذي تضاعف عدد تجاعيده في الأشهر الأخيرة..
ـ خير ماما بشنو اساعدج؟
ـ ما اعرف شنو البس
تلاشى القلق لتعود إبتسامتها بفرحة دافئة: تدللين, هسه اجيج
اومأت برأسي و عدت الى غرفتي انتظر قدومها.. نظرت الى ساعة هاتفي فلاحظت أن الوقت يسير أسرع من العادة.. هكذا هو.. دائماً عكس ما نريد.. مسحت على فمي بتوتر و أنا أتحرك بمكاني بنفاذ صبر.. دخلت والدتي في لحظتها و تافجأت بثيابي المنتشرة على السرير و على الأرض بشكل فوضوي.. لكنها لم توبخني بل حبست ضيقها من المنظر و بدأت تأخذ نظرة بين قطع الثياب.. تجمع بين قطعة و قطعة محاولة أن ترى تناسقهما لتتركهما بعدها غير مقتنعة بالنتيجة..
الى أن أستقرت أخيراً على بنطال جينز داكن اللون مع قميص قطني أبيض بأكمام قصيرة و سترة سوداء من الجلد..ثم قالت لي: لبسي وياهم حذائج الرياضي الأبيض, و شعرج شيليه بذيل حصان احسن
قلت و أنا أستعجلها بالخروج: ماشي, لعد خل ابدل على السريع لأن ما بقى شي و يجي الدكتور
خرجت والدتي غير معترضة فغيرت ثيابي بعجلة و رفعت شعري كما نصحتني والدتي ثم قمت بأمر لم أقم به منذ زمن طويل جداً.. وضع زينة خفيفة على وجهي.. كحل بخط رفيع و أحمر شفاه بلون هادئ و القليل من الروج على وجنتَيّ.. ترددت للحظة و أنا أرى مبالغتي في صورتي في المرآة.. سيلاحظ حتماً الإختلاف.. و سيفهم السبب.. قطع ترددي صوت زمور السيارة الذي جعلني أنتفض في مكاني كما انتفض قلبي بين أضلعي..
أخذت حقيبتي الصغيرة و أسرعت أخرج من الغرفة لأرتدي حذائي.. أحسست بوالدتي تقف عند المطبخ و تراقبني..