(قمر)
مرت أيام عطلة نهاية الاسبوع بشكل بطيء جداً.. رغم أنني لم ألازم غرفتي كعادتي بل قمت ببعض النشاطات مع والدتي.. أولاً ذهبنا الى الأسواق و تبضعنا الثياب و مستلزمات المنزل لساعات طويلة.. ثانياً قمنا بزيارة بيت خالي و هي المرة الأولى لي منذ مجيئنا الى لبنان.. ثالثاً قمنا بتغيير ديكور غرفة الجلوس لنحصل بذلك على مساحة أكبر.. كنت أرى السعادة على وجه والدتي و أنا أقوم بكل تلك الأمور معها.. و كأنها لا تصدق عينيها.. و لا تستطيع التوقف عن الإبتسام.. فجعلني ذلك أرغب بإسعادها أكثر, لأعوضها عن التعاسة التي عاشتها بسببي لأشهر طويلة.. الى جانب تلك النشاطات قمت بمراجعة دروسي و ما فاتني منها.. لكن رغم كل هذا فالوقت لم يسِر بالسرعة التي تمنيتها.. ربما لأنني كنت أحسب الساعات.. و الدقائق.. لألتقي به مجدداً.. و ربما لأن رؤية مازن من نافذتي و هو يجلس عند الشجرة كالسابق أقلقني..
أعلم تماماً بأن أسامة قال أنه قد يبقى أثر للوهم دون أن يستطيع الإقتراب مني لكن الأمر لم يقلل من قلقي.. فرؤيته يجلس وحيداً عند الشجرة و ينظر إليّ بخيبة أشعرني بالذنب.. و ربما هذه هي طريقته للعودة إليّ.. يشعرني بالذنب فيقترب مني أكثر إلى أن يقنعني بترك الدواء.. و هذا ما لن أقبل به مجدداً.. في الليلة التالية عندما رأيته عند الشجرة مجدداً قمت بسحب الستارة على النافذة لأخفيه عن ناظري.. و لأبين له أن الأمر انتهى.. أنني إخترت الشفاء منه..
لكني رأيته مجدداً.. في اليوم التالي و في طريقي الى الجامعة.. كان يسير خلفي على بعد مسافة ليست بالقليلة.. و كأن هناك حاجز يمنعه من الإقتراب أكثر.. و رغم ذلك كان وجوده يربكني.. يخيفني.. يبدو أنه يظهر في الأوقات التي أكون فيها بمفردي..
دخل معي الى قاعة المحاضرة دون أن يجلس بجانبي ككل مرة.. بل بقي واقفاً عند الباب بينما جلست أنا على مقعد في الخلف بعيداً عنه.. اتجاهل وجوده و أضع تركيزي مع الدكتور.. أعلم أن عيناه تراقباني.. تنتظران مني نظرة.. لتحاولان إضعافي.. لتحاولان جذب إنتباهي و بدأ لعبتهما.. لكني قاومته حتى إنتهاء دروسي كلها و عدت الى المنزل متجاهلة إستمرار وجوده خلفي.. لم ينتهي أمر الملاحقة إلا حين دخلت البناية.. فبقي هو عند الشجرة.. أسرعت الى شقتي فوجدت والدتي قد عادت من عملها و تقوم بتحضير الغداء.. ألقيت التحية عليها و غيرت ثيابي لألقي بعدها نظرة على ساعة هاتفي.. ساعة و نصف على موعد لقاءنا.. إبتسمت لمجرد التفكير بالأمر.. هذه المرة لن أرتبك.. لن أتوتر.. بل أريد أن أستمتع بوقتي معه دون الحواجز الذي يصعنها جسدي المضطرب..
خرجت من غرفتي لأساعد والدتي بآخر تحضيرات الغداء ثم تناولناه معاً في غرفة الجلوس لأبدأ بعدها مرحلة تنسيق الثياب.. لكن هذه المرة لم أواجه صعوبة كبيرة لأنني أشتريت حديثاً ثياب جديدة مقتنعة بها تماماً.. فأخترت فستان قصير بتنورة سوداء و الجزء الأعلى حليبي اللون يزينه نقاط سوداء ناعمة.. يفصل الجزئين حزام بني عريض و مطاط.. نظراً لقصر الفستان أخترت أن أرتدي معه جورب طويل باللون الأسود الشفاف.. قمت بعدها بتمشيط شعري و قد أخترت أن يبقى منسدلاً.. ثم أضفت على مكياجي الخفيف المعتاد المسكارا التي ضاعفت كثافة رموشي.. كان مظهري مختلف.. جميل لكن ربما أكثر من اللازم.. عضضت على شفتي بتفكّر.. هل أقلل من زينة وجهي؟.. لكن ذلك سيؤخرني على موعدي.. ثم أنني بالفعل لم أضع الكثير.. إلا أن الإختلاف واضح.. إستسلمت للأمر و أستدرت لأخذ حقيبتي من على السرير و أخرج من غرفتي..
إخترت أن أرتدي بوت أسود قصير بكعب متوسط العلو.. ثم وقفت عند باب غرفة الجلوس لأودع والدتي.. لكني علمت بأنها ستعلق على مظهري.. و فعلت..